للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هذا المنهاج المستقيم الذي يطالب به الإسلام هو منهاج أهل العقول الراجحة المستقيمة، وهم الثابتون في تفكيرهم وإيمانهم، الذين لَا تعبث بإيمانهم الأهواء، لأنه إيمان عميق، وسماهم العلي الحكيم: " الراسخين " في العلم، من الرسوخ وهو الثبات والتمكن، فالراسخ في العلم المؤمن الثابت الإيمان المتحقق الذي لَا تعرض له شبهة إلا أزالها بنور بصيرته، إذ الشبهة كالظلمة يبددها الضوء الساطع. وقد بين سبحانه أن أولئك هم الذين يتذكرون القرآن، ويتدبرون معانيه، ويدركون مراميه، وهم ذوو الألباب حقا وصدقا، ولذلك ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله:

(وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ) أي ما يدرك الحقائق الدينية ويعتبر بها، ويتذكر ما في القرآن من عبر ومواعظ وهداية إلا أصحاب العقول الراجحة التي لا تخضع للهوى والشهوة. وفي التعبير عن إدراك الحقائق الدينية والمعاني القرآنية وتفويض الأمور إلى الله تعالى فيما يعلم ويجهل بقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ) إشارة إلى أن المعاني الدينية في فطرة كل إنسان، ولكن يطمسها الهوى عند بعض الناس فلا يتذكرون، وتتكشف هذه الفطرة عند الذين لم تسيطر عليهم الأهواء فيتذكرون، والله أعلم بالأنفس.

هذه آية المحكم والمتشابه تكلمنا في معانيها التي تفهم من ألفاظها، ولكن بعض العلماء يتكلمون في موضوع هذه الآيات المتشابهة؛ وقبل أن نخوض في ذكر بعض ما قالوا نقرر أن الذي يستخلص من مصادر الشريعة ومواردها أن الآيات المتشابهة لَا يمكن أن يكون موضوعها حكما تكليفيا من الأحكام التي كلف عامة المسلمين أن يقوموا بها، وإنه لَا يمكن أن تكون آية من آيات الأحكام التكليفية قد انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى من غير أن يبينها، ولا تشابه فيها بعد أن بينتها السنة النبوية؛ لأن الله تعالى يقول: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. . .)، ولا شكَّ أنَّ مِنْ أوَّلِ بيان ما نزل إليهم بيان الأحكام التكليفية، ولو تصور أحد أن من آيات القرآن التي تشتمل على أحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>