للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولها: أن الأخذ يفيد الوقوع التام في سلطان الله تعالى، فهو سبحانه أخذهم كما يؤخذ الأسير، لَا يستطيع من أمره فكاكا.

ثانيها: أن التعبير بالباء يفيد أمرين: المصاحبة والمقابلة؛ فهم قد أخذوا مصاحبين ومتلبسين بذنوبهم لم يقلعوا، ولم يتوبوا، بل استمروا على حالهم ملابسين لها ومقترنة بهم، كما تدل على أن العقاب مقابل للذنوب، فهو بدل ببدل، وكما أنهم قدموا الذنب، فليتسلموا العقاب.

وثالثها: أن هذا التعبير فيه إشارة إلى عدل الله سبحانه وتعالى الكامل؛ فالذنب هو الذي ولد العقاب، وهو يماثله تمام المماثلة، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

والحقيقة الثالثة: قال سبحانه وتعالى فيها: (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وفي ذكر هذا الوصف للذات العلية إشارة إلى شدة العقاب لشدة الجريمة، وإشارة إلى أن العدالة الإلهية تقتضي شدة العقاب؛ لأنه لَا يستوي الذين يحسنون والذين يسيئون، ولا يستوي الأخيار والأشرار؛ فإن المساواة هي الظلم في هذه الحال.

ثم في هذا الوصف للذات العلية تعليم للناس بأن كل فعل يجب أن يكون له جزاؤه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

وهذا النص الكريم فوق ذلك يربي المهابة في النفس، ويجعل كل مؤمن يغلِّب الخوف على الرجاء، فإن الخوف يجعل العابد يستشعر الطاعة دائما ولا يَدِل بالعبادة، وتغليب الرجاء يمكن للنفس الأمارة بالسوء أن تسيطر، ويجعل العابد يَدِل بعبادته.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>