للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آمنوا البأس والقوة، والتقوا بهم استهانوا بهم؛ ولذا روي عن ابن مسعود أنه قال في غزوة بدر: " نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا؛ وتلك حكمة الله العلي الخبير؛ رأوهم يزيدون عليهم أضعافا، وذلك هو الحس الواقع، ولكن عند اللقاء صغروا في أعينهم ليكون النصر؛ لأن القاتل إن استكثر قوة خصمه عند اللقاء ضعف أمامه فيكون الانهزام، وإن استهان مع الحرص كان النصر؛ ولذا سئل علي رضي الله عنه: كيف كنت تصرع من يبارزك؟ فقال: " كنت أكون وهو على نفسه " أي أن عليا يقدم مستعليا بإيمانه على خصمه، وخصمه يحس بالخوف فتكون عليه قوتان ينتفع بهما علي: قوة من نفسه، وقوة من نفس خصمه ولَّدها الخوف.

(وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)

اشتمل ذلك النص الكريم على حقيقة مقررة، ودعوة إلى التأمل والاستبصار لأولي الأبصار، ليمتنع الناس عن الاغترار بالقوة والاعتزاز بغير الله تعالى. أما الحقيقة فهي أن الله ينصر من يشاء، فهو الذي سينصر ويخذل، وأن من يعتمد على قوته وحده من غير اعتبار بما تجري به المقادير يخذله الله، وإن شأن الذين يغترون بالقوة المادية دائما ويعتزون بها لَا يعتمدون على الله تعالى، ولا يعملون حسابا للقدر الذي يجريه خالق الكون حسب مشيئته وتدبيره، وأنهم إذ ينسون هذا يأتي هم القدر من حيث لَا يحتسبون، فينهزمون حيث يرتقبون النصر؛ وإذا كان النصر والخذلان بيد الله تعالى، فالله سبحانه ينصر من ينصره، ويخذل من يكفره، كمال قال تعالى: (إِن تَنصُروا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وكما قال تعالى: (ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

وأما الدعوة إلى الاعتبار فقد ذكرها رب البرية بقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ) أي إن ذلك الذي رأوه وشاهدوه وهو أن الفئة القليلة المؤمنة التي تقاتل في سبيل الله، غلبت الفئة الكثيرة الكافرة التي تقاتل في سبيل الشيطان

<<  <  ج: ص:  >  >>