للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمعنى الذي ذكرناه؛ لأنه له ذلك الشرف الإضافي، وهو أن الله لَا يقبل غيره، فوق أنه الحق الخالص من شوائب الشرك.

والإضافة فوق ذلك تفيد أنه الدين الذي نزل على كل النبيين، وأنه الأصل فى كل شرائِع السماء؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى. . .).

فهو دين الله، وقد صرح سبحانه بأنه دين أبي الخليَقة الثاني نوح كما يعبر بعض القصصيين، ودين آخر الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فدين جميع النبيين دين واحد، وهو دين الله، وهو دين الإسلام.

(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وعلى هذا كانت شريعة الله واحدة، وإن اختلفت الديانات السماوية التي لم يجر فيها التحريف والتبديل، فإن ذلك لَا يكون في الأصل، بل يكون في الفرع، ولا يكون في الكليات، بل يكون في الجزئيات ولكن لوحظ مع ذلك أن كثيرين من أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم، فقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء، واختلفت كل طائفة فيما بينهم على فرق، كل واحدة تحسب أنها اختصت بالخلاص وحدها، وتكفر الأخرى أو تشلحها من حظيرة الإيمان المقدسة؛ ثم اختلفوا مجتمعين على المسلمين، ونابذوهم العداوة، وقد كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فكانت هذه المنابذة عن بينة، ولم تكن عن جهل، بل إنهم يعرفون النبي كما يعرفون أبناءهم، ولم يؤمن بالحق كثيرون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذا قال الله سبحانه وتعالى فيهم: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦).

وقد بين سبحانه أن سبب ذلك الاختلاف هو البغي والظلم؛ ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) فالسبب هو البغي فيما بينهم؛ لأنهم قد بغى بعضهم على بعض بالباطل، وتبادلوا ذلك البغي، كل يبغي على غيره، وإذا تبادل قوم الباطل ضعف في نفوسهم الإيمان، فإن شدة الخصومة تورث

<<  <  ج: ص:  >  >>