للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهؤلاء جاءهم العلم ولم يلازموه ولم يصاحبوه ولم يذعنوا لحكمه؛ ولذا لم يقل سبحانه " أوتوا العلم " بل قال: (جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) إذ قد جاءهم ولم يردوا موارده العذبة، والعلم كالمطر الغزير لَا تستفيد منه إلا الأرض الطيبة، وكذلك لا يستفيد من العلم إلا النفوس الطيبة، فأولئك الظالمون جاءهم العلم، ولم يكونوا علماء يخشون الله، ولم يكونوا أولي العلم الذين يشهدون بوحدانية الله.

(وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آيات الله تشمل آياته الكونية الدالة على وحدانيته، وآياته المنزلة الداعية إلى شريعته، والمبينة لها. والمعنى: من يكفر بآيات الله جاحدا غير مذعن لحكمها طامسا لداعي الفطرة في قلبه فإن الله محاسبه ومعاقبه، والله سريع الحساب. فقوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) قائم مقام الجواب المحذوف، والسياق هكذا: ومن يكفر بالله فإن الله معاقبه ومحاسبه، والله سريع الحساب، وسرعة الحساب تدل على سرعة العقاب، وعلى العلم الكامل للمحاسِب وهو الله سبحانه وتعالى، فهو لَا يحتاج إلى فحص وبحث، وتدل على قيام البينات القاطعة، إذ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم بما اقترفوا، بل تشهد عليهم قلوبهم بما جحدوا، وختم الكلام عن أهل الكتاب بهذه العبارة السامية للإشارة إلى أن اختلافهم لَا محالة راجع إلى كفرهم، وأن الكفر له عقاب بعد حساب سريع مؤكد، ونتيجته عذاب أليم، وأسباب العلم حجة عليهم، وليست حجة لهم. اللهم لَا تجعلنا ممن أضله الله على علم، ووفقنا للهداية، وأنطق ألسنتنا بالحق، واهدنا سواء الصراط.

* * *

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>