للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون عزيزا بين الناس من يكون عبد شهوته فإن العزة تبتدئ من النفس، فإن ضبَط المرء أهواءه وشهواته وسيطر عليها أعطاه العزة، فكان بين الناس عزيزا؛ ومن سيطرت عليه أهواؤه ومطامعه وشهواته كتب الله عليه الذلة، وكان الذليل وإن ظهر أنه العزيز، ولذا كان من حكمة السلف الصالح قولهم: " أذلَّ الحرص أعناقَ الرجال ".

(بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذا تسليم بأن ما يفعله الله تعالى دائما خير، وأن الخير كله بيده سبحانه وقوله تعالى: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) معناه إنك وحدك الذي تملك الخير كله، فـ " ال " في قوله " الخير " للاستغراق الشامل؛ فكل خير هو بيد الله سبحانه. والتعبير بـ " يد " هنا إشارة إلى الملكية التامة السيرة، فهو استعارة تمثيلية، فقد قرب سبحانه - ولله تعالى المثل الأعلى - لأذهاننا معنى سلطانه وكمال ملكه لكل الأمور، بحال من يكون الأمر في يده وقبضته، ولا سلطان لأحد من الناس فيما بيده، وفي قبضته. ومعنى قوله تعالى: (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) شمول قدرته على الأشياء كلها: ما يتخذه الناس سببا للخير عندهم، وما يتخذونه سببا للشر عندهم. وفي الجمع بين قوله تعالى: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) و (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إشارة إلى أمرين:

أولهما: أن كل ما يفعله الله تعالى هو خير، فلا يقال إن بيده الخير والشر، فإن الشر معنى نسبي بالنسبة للعبيد، ولكن بالإضافة إلى الله تعالى فإن الله لايفعل إلا خيرا. ولقد قال الزمخشري في هذا المقام ما نصه: " إن كل أفعال الله تعالى من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه ".

الأمر الثاني: إثبات أن الله تعالى خالق الأسباب، وهي الأشياء التي يستخدمها الناس للخير والشر، يحسنون فلا يقصدون إلا النفع فيكون ما مكَّن الله لهم في الأرض نفعا للناس وخيرا، ويسيئون فيقصدون إلى نواحي الفساد فيكون ما يفعلونه فسادا وضررا عاما. وهذا أشار إليه سبحانه بقوله تعالى: (إِنَّكَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>