للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه يجوز لهؤلاء أن يظهروا لهم الولاء، وهم بذلك يتقون ضررهم المؤكد، ومعنى: (أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) أي تخافوا خوفا شديدا لضرر مؤكد، فتجعلوا إظهار الولاء وقاية تتقون بها الضرر، وقد أكد سبحانه وتعالى الخوف بالمصدر فقال: (أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) أي يكون الضرر ثابتا لَا مجال للشك فيه، وألا يتجاوز الولاء المظهر واتخاذ الوقاية المؤقتة. و " تقاة " مصدر وقى على وزن فعلة، وأصله وقية، قلبت الواو تاء كما في تؤدة أصلها وأدة، وتهمة أصلها وهمة.

وإن هذا النص يستفاد منه أن التقية جائزة، والتقية أن يظهر المؤمن غير ما يعتقد اتقاء الأذى الذي يتلف الجسم على أن يكون نزول الأذى مؤكدا، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ. . .)، على أن يكون ذلك مقصورا على الأحوال الأحادية لَا الأحوال الجماعية، وعلى أن يجتهد الذين يكونون في ولاية غير المؤمنين أن يخرجوا من ولايتهم وألا يبقوا مستضعفين في الأرض، فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩).

هذا، وإن التقية الأحادية أمر لَا يعلمه إلا الله، وقد يمالئ بقلبه ولسانه رجاءَ رجاء كما يفعل بعض ملوك المسلمين ويدعي أنه يفعل ذلك تقية ودفعا للضرر؛ ولذا قال سبحانه محذرا هؤلاء، ومحذرا من يوالي الكفار بشكل عام: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ):

التحذير: هو التخويف لأجل الحذر واليقظة، والعمل على منع الأمر الخوف قبل وقوعه. والتحذير لَا يكون إلا حيث يتوهم الشخص الآمن، ويعتقد أنه لَا مخاف، ولا ما يثير الخوف؛ وإن مقام التحذير هنا واضح بين؛ لأن أولئك الذين يوالون الكافرين يظنون أن ذلك من دواعي الأمن والاستقرار، والواقع أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>