للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وجعل سبحانه وتعالى الخطاب منه للنبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم لبيان شرف النبوة وعلوها، ومكانة الاتصال بينها وبين الله سبحانه وتعالى، إذ جعل اتباع الرسول يكون من نتائجه محبة الله تعالى.

وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يخاطب بذلك ويقرره، وأن الله تعالى يمضي ما يقرره، علو بمقام الرسالة المحمدية، وبمقام النبوة؛ لأن فيه إشعارا بعظم محبة الله لنبيه، وأنها فوق كل محبة؛ فإذا كان من يتبعه يحبه، فهو إذن في أعلى درجات المحبة، ولأن فيه بيان أقوى الاتصال، لأن خطابه لهم هو خطاب من الله لهم، بدليل أن المحبة من الله تجيء نتيحة لاتباعه الذي دعا إليه - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله تعالى: (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فيه إيجاز معجز، وهو إيجاز حذف دل عليه المقام؛ لأن المعنى: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، وإن اتبعتموني يحببكم الله؛ لأن جواب فعل الأمر في معنى الجزاء، فكان ثمة فعل شرط مقدر، وإن هذه الجملة السامية تدل على ثلاثة أمور:

أولها: أن أول طوق محبة الله تعالى هو اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى جلت قدرته، وعصيان الرسول عصيان لله تعالى، وليس من المعقول أن يحب الله تعالى ويعصيه؛ ولذلك يقول الشاعر الصوفي:

تعصى الإلهَ وأنت تُظهر حُبَّهُ ... هذا لعَمْرِي في القِيَاس بَدِيعُ

لو كانَ حُبُّك صادقًا لأطَعْتَهُ ... إن المحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

الأمر الثاني الذي يدل عليه النص الكريم: أن الطاعة ومحبة العبد لربه يترتب عليهما حتما محبة الله سبحانه وتعالى لعبده. وأي منزلة للطاعة أسمى من أنه يتبعها حتما محبة الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثالث الذي يدل عليه النص القرآني: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أن من يصل إلى مرتبة المحبة التي تبتدئ بالطاعة وتنتهي بمحبة الله تعالى يغفر له الله

<<  <  ج: ص:  >  >>