للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلامة الثالثة: الجهاد في سبيل الله بالنفس واللسان والمال، وذلك هو تحقيق دعوى المحبة.

والعلامة الرابعة: أنهم لَا يأخذهم في الله لومة لائم، وهذه علامة صحة المحبة، فكل محب أخذه اللوم عن محبوبه فليس بمحب على الحقيقة (١).

تلك هي آيات الاتياع الذي يوجب هذه المحبة، وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - كمال الإيمان الذي يوجب هذه المحبة، فقال: " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " (٢) وهذا الوصف هو الجامع لكل الأمارات التي لَا يند عنه (٣) شيء منها.

هذا هو القول في الأمر الأول، وهو الاتباع الذي تترتب عليه المحبة. بقي أن نتكلم في الأمر الثاني وهو التعريف بالمحبة التي تكون من الله للعبد، والمحبة التي تكون من العبد لله تعالى:

أما محبة الله فحال من أحوال الذات العلية لَا نعرف كنهها، ولا ندرك حقيقتها وهي تليق بذاته الكريمة، وتتفق مع صفات الجلال والكمال التي يتصف بها واجب الوجود، والذي خلق بقدرته كل موجود، وهي غير الإحسان، وإن كانت من فضل الله، وغير الرحمة، وغير الرضا؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعلها لبعض عباده، والإحسان والرحمة يَعُمَّان كل موجود، والرضا وإن جعله جزاء أعلى للمحسنين، كما قال في جزاء المؤمنين بعد ذكر الجنات والنعيم المقيم: (وَرِضْوَانٌ منَ اللَّهِ أَكْبَرُ. . .)، نجد المحبة أكثر منه. وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى فكان هذا دليلا على أنهما متغايران بالنسبة لذاته العلية، كما أن المدلول اللفظي لهما متغاير، وإن كانت المحبة تتضمن الرضا لَا محالة، بل إنها لا تكون إلا حيث يكون أقصى الرضا، هذه إشارة إلى محبة الله لبعض عباده الذين اصطفاهم.


(١) جاء في هامش الأصل: راجع في هذا الجزء الثالث من " مدارج السالكين "، ابن قيم الجوزية، ص ١٤.
(٢) البخاري: الإيمان - حلاوة الايمان (١٥)، مسلم: الإيمان (٦٠).
(٣) أي لَا يشرد. نَدَّ البعير يَنِدُّ نُدودا إِذا شَردَ. لسان العرب - باب النون - ندد.

<<  <  ج: ص:  >  >>