للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير أب، ولذا قال الزمخشري في هذا قال الله تعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) تعظيما لموضوعها. . ومعناه والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور، وأن يجعله وولده آية للعالين، وهي جاهلة بذلك لَا تعلم عنه شيئا ". وقوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) إما من كلام الله فيكون في الجملة المعترضة، ويكون المعنى وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي أعطيت في الشرف والمكانة والعبادة بل هو دونها، وهذا هو الظاهر، وإما أن يكون من كلامها وهو غير الظاهر، إذ يكون الأولى حينئذ التعبير بقولها: وليس الأنثى كالذكر لأنها ترى الذكر أفضل.

ومع أن هذه التَّقِيَّة تتحسر على أن مولودها لم يكن ذكرا كما قدرت، ليكون في خدمة بيت الله تعالى كما نوت، فقد رضيت بما وهب الله تعالى، وضرعت إليه أن يهديها ولذا قالت:

(وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فهي قد اختارت الاسم راضية بما أُعطيت، قال الزمخشري في الكشاف: " وإن اختيار الاسم فيه تقرب إلى الله تعالى، لأن مريم في لغتهم معناها العابدة والخادم، فأرادت بذلك التقرب إلى الله، والطلب إليه أن يعصمها، حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها، وأن يصدق فيها ". ولذا طلبت إلى ربها أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم. ومعنى الإعاذة أن تكون في ملجأ من الله تعالى يعصمها من الشيطان؛ وذلك لأن التعوذ الالتجاء. فمعنى أعوذ بالله ألجأ إليه، وأتخذ منه معاذا، ومعنى أعذته بالله من الشيطان جعلت الله تعالى معاذا له منه، وهذه الإعاذة كانت دعاء من الله تعالى، فكان هذا الدعاء عبادة أخرى. وهكذا اقترنت ولادة مريم وحملها من قبل بعبادات متضافرة متوالية مستمرة، وضراعة تدل على خلاص النفس وإسلام الوجه لله تعالى.

والشيطان: ما يوسوس في النفس، وهو يجري من الإنسان مجرى الدم.

والرجيم أي المطرود المنبوذ من رحمة الله من وقت قال. له رب البرية: (قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>