للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ... (٤١):

* * *

في تفسير هذا النص الكريم اتجاهان:

أولهما: أن سيدنا زكريا عليه السلام طلب علامة تدل على موعد الحمل، فقال: (اجْعَل لِّي آيَةً) أي علامة أعرف منها موعد الحمل، فقال له ربه: آيتك أي علامتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا، أي لَا تستطيع أن تكلم الناس إلا بالرمز والإشارة، وأن تستطيع ذكر الله، فاذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار، أي في المساء، وفي الصباح من وقت الفجر إلى الضحى، وقد وضح هذا الاتجاه الزمخشري فقال: " آيتك ألا تقدر على تكليم الناس ثلاثة أيام، وإنما خص تكليم الناس ليعلم أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله؛ ولذلك قال: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، يعني في أيام عجزك عن تكليم الناس، وهي من الآيات الباهرة. فإن قلت لم حبس لسانه عن كلام الناس؟ قلت ليخص المدة بذكر الله لَا يشغل لسانه بغيرها، توفرا منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة، وشكرها الذي طلب الآية من أجله، كأنه لما طلب الآية لأجل الشكر قيل له آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر.

وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال ومنتزعا منه ".

هذا هو الاتجاه الأول. وأساسه أن ثمة أمرا آخر خارقا للعادة، وهو عجزه عن كلام الناس مع قدرته على الذكر.

أما الاتجاه الثاني، فأساسه غير ذلك، إذ إن معنى النص الكريم على هذا الاتجاه أن زكريا شعر بإكرام الله تعالى إكراما خصه به، وكانت آية ذلك الإكرام بين الناس أنه قد أنجب من عاقر وعجوز ولدا، وقد بلغ من الكبر عتيا، فدعا ربه أن يجعل له بين الناس آية تدل على عظيم شكره، وأن يختص من بين الناس بهذا الشكر، ليعلم الناس علامة شكره كما علموا علامة إكرامه، فقال سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>