للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) أي كهذا الخلق الذي تجدينه في أن يكون لك ولد من غير أن يمسك رجل وهو إبداع، يخلق الله تعالى ويبدع ما يشاء ويريد إبداعه، وكلمة يخلق غير ينشئ؛ لأن الخلق إنشاء على غير مثال سبق، فالتعبير بـ " يخلق " يفيد الإبداع، وأنه منهاج في التكوين يخالف منهاج غيره في التكوين. وهذه الجملة السامية تفيد أمورا ثلاثة:

أولها: أن هذا النوع من التكوين، وهو إنجاب من غير أب هو في قدرة الله تعالى؛ لأنه الخالق المبدع، وما هو غريب عليكم هو في قدرته سبحانه؛ لأن من خلق الخلق الأول وخلق السنن الكونية وغيرها قادر على تغييرها؛ لأنه مبدعها ومنشئها.

ثانيها: أن خلق عيسى أمر من أمر الله تعالى، وعيسى ليس إلا مخلوقا من مخلوقاته، فهو أبدعه كما أبدع غيره من المخلوقات، فليس إلها ولا ابن إله.

ثالثها: أن خلق الله تعالى بمشيئته وإرادته، وهذا فيه إشارة إلى السبب الذي من أجله خلقه الله تعالى من غير أب وهو أن المخلوقات لَا تصدر عن الله صدور المعلول عن علته، ولكنها توجد بإيجاده وتنشأ بإبداعه: (بديع السماوات والأرض أَنَى يكون له ولد) وفي ذلك رد عملي على أهل الفلسفة المادية التي تقول إن العالم نشأ عن العقل الأول نشوء المعلول عن علته.

ثم أشار سبحانه إلى عظيم قدرته بقوله تعالى:

(إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يوجد أمرا لَا يوجده إلا بكلمة " كن " وعبر سبحانه عن الإيجادب " قضى " للإشارة إلى أن إيجاده للأشياء ليس إلا من قبيل الحكم عليها بالوجود، فإذا حكم بالوجود في أمر نفذ حكمه، وحكمه هو أن يقول كن، فيترتب على ذلك أن يكون.

وهل الأشياء حقيقة تنشأ بمجرد الإرادة الإلهية، أم أن هذا تصوير لسهولة الخلق؛ الظاهر أن هذا بيان لسهولة ذلك على خالق الخلق، وبارئ النسم؛ فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>