للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجاحدين الذين غلفت قلوبهم دون نور الهداية على الإيمان، والفاء هنا كأنها فاء التعقيب على الآيات الباهرة، أي أنهم فور هذه الآيات كفروا ولم يتدبروا، وأحس منهم عيسى هذا الكفر، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله. والإحساس هو العلم الذي يكون بالحواس، وإطلاقه على العلم المجرد بعد ذلك من قبيل تشبيه العلم اليقيني القاطع البدهي بالعلم المدرك بالحواس.

ولما أحس عيسى الذي أوتي هذه البينات الكفر من قومه، وعلم ذلك علما يقينيا، اتجه إلى من يدعوهم يتعرف من أصاب الإيمان قلبه ليتخذ منهم قوة للدعوة وليكونوا صورة للمهتدين الصادقين، ولذلك قال: (مَنْ أَنصارِي إِلَى اللَّهِ) أي من الذين رضوا؛ أن يكونوا أنصاري لأواجه بهم الذين بحاربون دعوتي، على أن يكون أولئك الأنصار منصرفين متجهين إلى الله تعالى لَا يبغون غير رضاه، وهذا التعبير الكريم فيه إشارة إلى معان ثلاثة:

أولها: أن الأكثرين لم يكونوا مؤمنين، ولذلك عبر بقوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) فنسب الكفر إليهم، وذلك لَا يكون إلا إذا كان الكافرون هم الكثرة الظاهرة، والمؤمنون هم القلة المغمورة، حتى بحث عنهم السيد المسيح عليه السلام بقوله: من أنصاري إلى الله تعالى.

المعنى الثاني: الذي يشير إليه النص الكريم: أن السيد المسيح عليه السلام أحس بأنه أصبح مقصودا بالأذى، وأن الدعوة الحق أصبحت مهاجمة من تلك الكثرة الساحقة، ولذلك طلب أن يكون له نصراء يجعلون للحق منعة وقوة من جهة، ويكونون مدرسة الدعاية له، والخلية التي تدرس فيها حقائقه من جهة أخرى.

المعثى الثالث: الذي يشير إليه النص: هو أن النصرة الحقيقية في مثل هذا المقام أساسها إخلاص النية لله تعالى، والاتجاه إليه، وتفويض الأمور إليه، فإنهم إن كانوا قليلا فهم بمعونة الله كثيرون (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، ولذلك كان في سؤال السيد المسيح عليه السلام إضافة النصراء

<<  <  ج: ص:  >  >>