للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تأكيدات؛ أولها: " إن " وثانيها: أفعل التفضيل، وثالثها: اللام في قوله تعالى: (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ). والذين اتبعوه موصول عام يشمل الذين اتبعوا هدايته في حياته، وأجابوا

دعوته، ولم يخالفوه، والذين اتبعوه من بعد وفاته، وإنهم لكثيرون، وكان يمكن أن يكون من هؤلاء اليهودُ والنصارى، لو اتبعوا هديه فطلبوا الحق وأخلصوا لله في طلبه، وتجنبوا الشرك بكل ضروبه وبكل أشكاله، وفي هذا توبيخ لهم على أنهم لم يتبعوه، وادعوا الانتماء إليه. وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنص عليه بالذات على أنه أولى الناس بإبراهيم عليه السلام، ولم يذكره في ضمن الذين اتبعوه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقى الهداية من السماء كما تلقاها إبراهيم، ولأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، ولأنه آخر دعامة في بناء صرح الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض. وفي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - تمهيد لبيان أولوية الذين آمنوا به - صلى الله عليه وسلم - وبسيدنا إبراهيم من اليهود والنصارى؛ لأنهم حنفاء طلبوا الحق، وتحرَّوْهُ وآمنوا به واهتدوا، وأخلصوا دينهم لله تعالى، وصار الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم. والذين آمنوا في الآية هم من آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم " (١).

وولاية إبراهيم للنبي ومن اتبعهما بإحسان إلى يوم الدين أساسها الإخلاص لله تعالى وتوحيده، فهي من ولاية الله؛ ولذا قال سبحانه: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) أي أن الله سبحانه وتعالى جل جلاله، وعظمت قدرته، وتعالت حكمته، وتسامت عظمته، هو ولي المؤمنين وناصرهم، وهم أهل محبته ورضوانه؛ وذلك لأنهم لَا يطلبون إلا رضاه، ولا يبتغون إلا محبته ورضوانه؛ فهم بإخلاصهم قد نالوا ولاء الله ومحبته؛ والله سبحانه وتعالى لا يوالي إلا من يؤمن للحق ويذعن له، ولا يطلب سواه.


(١) رواه أحمد: مسند المكثرين - مسند عبد الله بن مسعود (٣٦٠٩)، والترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة آل عمران (٢٩٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>