للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حق، فإذا تجاوز الحق أقطارهم أنكروه، ولما لم يذعنوا له، وتقوَّلوا الأقاويل وادعوا أنه ليس للأمم المتخلفة في الحضارة حق كحق غيرها، وأنه ليس للملونين حق كحق غيرهم.

وإن هذا مبدأ اليهود، وهم مغرقون فيه، فقد كانت التوراة تحرم الربا تحريما مطلقا، وكان النص فيه: لَا تأخذ ربا من أخيك إذا أقرضته، فزادوا كلمة أخيك الإسرائيلي لأنهم لَا يشعرون بالأخوة الإنسانية في ذاتها.

وإن المبادئ الخلقية الفاضلة لَا تعرف جنسا ولا لونا ولا ثقافة، ولذا قال تعالى ردا عليهم مبينا كذبهم.

(وَيَقولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) في هذه الجملة السامية رد عليهم بأن ما قالوه من أنه ليس عليهم في الأمِّيين سبيل كلام لَا أصل له في شرع سماوي فهو ليس دينا، وإذا كانوا قد قالوه على الله تعالى فقد كذبوا على الله تعالى، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في قضية عامة تدل على أن من شأنهم أن يقولوا الكذب على الله تعالى، وهم يعلمون أنه كذب فقد كذبوا فادّعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وكذبوا فادعوا أن إبراهيم كان يهوديا، وكذبوا فادّعوا أنه لا نبي إلا من بني إسرائيل، فكان الكذب على الله تعالى شأنا من شئونهم، ولذلك عبر بالمضارع، أي أن شأنهم أن يقولوا الكذب على الله، قالوه في الماضي، ويقولونه في الحاضر، وسيقولونه في المستقبل، وذلك شأن الذين يحتكرون لأنفسهم حق التكلم في الدين، ويحسبون غيرهم ليس من حقهم أن يتكلموا فيه.

وإن الأمانة كانت توجب عليهم ألا يقولوا إلا الحق، ولكنهم خانوها في الماديات، وما ذلك إلا لأنهم فقدوها في المعنويات، فكان هذا هو أساس ذلك الضلال البعيد، ولقد روى سعيد بن جبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أهل الكتاب عندما نزل قوله تعالى عنهم: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ): قال عليه الصلاة والسلام:

<<  <  ج: ص:  >  >>