للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسول الذي يجيء مصدقا لما معهم، لآمنوا به، ولاتبعوه ونصروه وآزروه، لأن ذلك ميثاق الله الذي ربط النبوات بعضها ببعض، فهي متلاقية عند غاية واحدة، وإذا كان النبيون لَا يفرض فيهم إلا ذلك فاتباعهم يجب عليهم أن يفعلوه إن كانوا متبعين لهم.

بعد أن صور الله سبحانه وتعالى ذلك العهد الموثق بمقتضى الرسالة الإلهية قال:

(قَالَ أَأَقْرَرْتمْ وَأَخَذْتمْ عَلَى ذَلِكمْ إِصْرِي) في الجملة السابقة بيّن سبحانه عهد الله على النبيين، وفي هذه الجملة يوثقه ويؤكده بأخذ إقرار منهم بهذا الميثاق، وبأخذ عهد آخر عليهم، وهو أن يتولوا هم أخذ العهد على غيرهم بأن يقوموا بعهد الله تعالى الذي عاهدهم عليه، أي أنه سبحانه يأمرهم بأن يأخذوا ذلك العهد على أتباعهم، وهذا معنى (وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) أي أخذتم من أتباعكم على ذلك الميثاق - أن ينفذوه وأن يتبعوه، وأن يقوموا بحقه عليهم، فثمة إذن عهدان: عهد الله على النبيين، وعهد النبيين على أتباعهم، وهذا هو الإصر الذي أخذوه عليهم. فالإصر هنا هو العهد الموثق الشديد، وقد قال الراغب في أصل اشتقاق " أصر ": " والإصر عقد الشيء وحبسه بقهره يقال أصَرتُه فهو مأصور ". قال تعالى: (وَيَضعُ عَنْهمْ إِصْرَهمْ. . .)، أي الأمور التي تثبطهم، وتقيدهم عن الخيرات، وعن الوصول إلى الثوابات. . و " الإصر " العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب، وعن الخيرات، قال تعالى: (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي).

وإذا كان أتباع النبيين قد. أخذ عليهم العهد بأن يؤمنوا بالرسول ويصدقوه وينصروه، فإنه في عنق اليهود والنصارى أن يؤمنوا بمحمد وينصروه ويؤيدوه، لأن ذلك جزء من الرسالة التي أتوا بها.

ولقد زكى سبحانه العهد الذي أخذه النبيون على أتباعهم بقوله تعالى: (قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>