للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيها: قوله تعالى: (وَشَهدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَق) على أي شيء يكون العطف في العبارة السامية (وَشَهدُوا) وقد ذكر الزمخشري موضع العطف، فقال: " فيه وجهان: أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل؛ لأن معناه بعد أن آمنوا، ويجوز أن تكون الواو للحال، بإضمار قد، بمعنى كفروا وقد شهدوا بأن الرسول حق.

ولماذا لَا تكون عطفا على كفروا نفسها ويكون من باب الجمع بين المتناقضات، كما تقول قتل القتيل وبكى عليه، أي أن حال هؤلاء مذبذبة متناقضة، فهم يكفرون بالرسول ويشهدون بأنه حق، والعطف بالواو لَا يقتضي ترتيبا، فيصح أن يكون الكفر في الوقوع متأخرا عن الشهادة ولكن يجيء سؤال: لماذا ذكر الكفر أولا؟ والجواب عن ذلك أن الكفر هو موضع الاستنكار، فكان تقديمه لهذا المعنى.

ثالثا: أن الله تعالى يذكر أنهم شهدوا بأن الرسول حق، وجاء الحق وصفا للرسول، ولعل الظاهر أن يكون وصفا لما جاء به وهو القرآن، ولكن وصف به؛ لأن اليهود ما كانوا ينكرون الشرائع السماوية، وما كان السبب في كفرهم هو ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان السبب هو الحسد لشخصه وللعرب، فأشار سبحانه إلى أنهم كانوا يشهدون لشخصه، فأوصافه عندهم، وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فشهادتهم منصبة على شخص الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهم يعرفون شخصه من أوصافه فهو في علمهم حق وكل ما جاء به هو الحق.

(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بهذا النص الحكيم للإشارة إلى أنهم ظالمون، فهم ظلموا أنفسهم، وظلموا الرسول! وظلموا الحقائق وطمسوا على بصائرهم، فلا يمكن أن تدخل الهداية إلى قلوبهم، وفي النص الكريم إشارة إلى أن الظلم يحدث في نفس الظالم ظلمة شديدة لَا ينفع معها ضوء. فتغلق كل الأبواب التي ينفذ منها النور إلى موضع الإدراك، إذ إن أساس الظلم هو تسلط الهوى والغرض الفاسد والحقد والحسد على النفس،

<<  <  ج: ص:  >  >>