للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ).

فهذا كما أشرنا قسم ممن كفروا بعد إيمان؛ لأن أولئك قسمان أحدهما يرجى توبته، وذلك هو الذي لم يوغل في طريق الكفر والإمعان فيه، وقد أشار سبحانه بقبول توبته بقوله تعالى مستثنيا له: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُواِْ)، والقسم الثاني هم الذين كفروا بعد أن آمنوا، ولم يكتفوا بذلك بل لجوا في العناد، واسترسلوا في الغيّ، واستمروا في مقاومة الحق، فإنهم كلما أوغلوا في الباطل بعُدوا عن التوبة والرجوع، ومثلهم كمثل من يسير في صحراء وقد ضل الطريق، فإنه كلما أوغل فيها ازداد ضلاله. وهذا القسم لَا تقبل توبته، لأنه لَا يتوب توبة نصوحا، وقد عبر سبحانه عن إيغالهم في الشر بقوله: (ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) أي أن الكفر درجات، وكل إيغال فيه ازدياد، ذلك لأن الكفر جحود القلب مع قيام الأمارات والأدلة، وكلما اشتد العناد اشتد الجحود، واستغلظت الحجب التي تحول بين المرء والهداية، فإذا كان الحجاب عن الإيمان بالحق رقيقا أولا، فبالإمعان في العناد يغلظ الحجاب، ويستمر في الغلظ حتى يحكم الإغلاق، وهو الذي عبر الله عمن تصاب قلوبهم به بقوله تارة: (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. . .)، وتارة (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. . .)، وقوله تعالى مرة ثالثة: (بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

وأولئك قال تعالى فيهم: (لَن تُقْبَلَ نَوْبَتهُمْ)، فنفَى سبحانه وتعالى قبول توبتهم، ولنا أن نفسر نفي قبول التوبة على ظاهره بمعنى أنه قد تقع منهم توبة

<<  <  ج: ص:  >  >>