للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأراد الله سبحانه وتعالى أن يَفْطموا نفوسهم عن أهوائها ليكبحوا جماح شهواتهمِ ولكيلا يندفعوا في الظلم والأهواء المردية، ولذا قال سبحانه: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِين هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ. . .).

والطعام هو ما يطعمه الإنسان ويستسيغه ويطلبه راغبا فيه، وهو في عمومه يشمل البُر والذرة والشعير، وكل المواد النباتية والحيوانية، ولذا قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ. . .). وقال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ. . .)، والمراد ذبائحهم. وبمقتضى هذا النص السامي يكون كل طيب مطعوم مرغوب فيه حلالا ولا يحرم إلا الخبائث من الميتة والخنزير وغيرهما، وأن ذلك كان شريعة إبراهيم عليه السلام، وأنه ما كانت لحوم الإبل ولا ألبانها من المحرمات لأنها من الطيبات، وإبراهيم وذريته على هذه الشريعة الفطرية، حتى قست قلوب بني إسرائيل ففطمها الله بذلك التحريم المؤقت.

إذن فلم يكن شيء من الإبل محرما، ولم يكن شيء من الطيبات محرما على بني إسرائيل من قبل التوراة، إلا ماحرمه إسرائيل على نفسه، وإسرائيل اسم ليعقوب بن إسحاق عليهما السلام، وقد اختلف العلماء في تخريج قوله تعالى: (إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) ما المراد بِإِسرائيل أهو القبيل كله، وهم اليهود؟ أم المراد ذات يعقوب الذي هو أبو القبيل، وإليه ينتمي؟.

ذكر الزمخشري التخريجين، ورجح أن المراد ذات يعقوب عليه السلام، ويكون المعنى: إن كل الطعام كان حلالا لبني إسرائيل إلا ماكان يحرمه إسرائيل على نفسه باجتهاد منه لشخصه: إما لعلاج جسمي بأن وجد أن هذا الطعام يضره ويؤذيه، وأن الابتعاد عنه ينفعه ويجديه، كما نرى من ناس يتجنبون بعض الأطعمة لأنها لَا تناسب حالهم بإشارة طبيب أمين أو بتجربة شخصية، وكل امرئ طبيب نفسه. وإما لعلاج نفسي كأن يمتنع عن بعض ألوان الطعام قناعة وفطما

<<  <  ج: ص:  >  >>