للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى استطاع بأي سبيل للوصول إلى الحج، فليست الاستطاعة الموجبة للحج هي الاستطاعة الواسعة المعنى التي لَا تكون إلا للأغنياء، ولذا فسرها الفقهاء بالقدرة البدنية، والقدرة على الزاد والراحلة أي ما يمكن أن يصل به؛ ولابد أن يكون ذلك فاضلا عن حاجاته الأصلية وعمن يقوتهم، فإن ترك من يقوتهم بلا مال إثم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " (١).

والفرض لَا يؤدي بالإثم. ومن استطاعة المرأة ألا تكون ذات أطفال صغار يخشى عليهم الضيعة إن تركت حضانتهم ولا حاضن لهم سواها، كما أن من استطاعتها أن يكون معها زوجها أو ذو رحم محرم منها.

والحج عند الأكثرين فرض على التراخي، ولكن المالكية يقررون أنه لَا يسع من تجاوز الستين أن يؤخر عن قدرة، وإن كان أصل التراخي ثابتا لصريح الآثار الواردة في ذلك، والحج فرض مرة واحدة في العمر، والحج هو مؤتمر الإسلام الأكبر، وقد بيناه مرارا.

(وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ) في معنى هذا النص اتجاهان؛ أحدهما: أن يكون الكلام في تارك الحج ويكون المعنى من ترك الحج جاحدا له منكرا لفرضيته فقد كفر وأضاع مصلحة نفسه ومصلحة أمته بالإجماع في المؤتمر الأكبر؛ والله سبحانه غنى عن العالمين أي عن الناس أجمعين. فهم محتاجون إليه، وهو غير محتاج إليهم.

والاتجاه الثاني: أن يكون الكلام متجها إلى اليهود الذين أنكروا فضل البيت وقدمه وبناء إبراهيم له. ويكون المعنى: ومن أنكر تلك الحقيقة الثابتة وجحدها بعد البينات فقد أركس (٢) نفسه والله سبحانه غنى عن العالمين.

اللهم اهدنا إلى الحق ووفقنا للإيمان به.

* * *


(١) رواه بهذا اللفظ أبو داود: الزكاة - في صلة الرحم (١٤٤٢)، وأحمد: مسند المكثرين من الصحابة (٦٢٠٧).
(٢) أركس الشيء: رده مقلوبا. ومنه قوله تعالى: (والله أركسهم بما كسبوا) أي ردهم إلى كفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>