للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨).

ثم ذَيَّلَ سبحانه وتعالى الآيات الكريمات بكمال قدرته، فقال تعالت كلماته: (إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) وذلك التذييل لتأكيد قدرة الله تعالى على إذهاب سمعهم وأبصارهم، وكل قواهم، وقد أكد سبحانه قدرته القاهرة فوق عباده بعدة مؤكدات: بالجملة الاسمية أولا، وبـ " إن " ثانيا، وبذكر لفظ الجلالة الذي يدل على أنه مالك الوجود، ومالك كل موجود، وعموم قدرته على الأشياء كلها (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).

وهذه الأخبار كلها - من نزول الصيِّب المنهمر انهمارا، والظلمات المتكاثفة والرعد والبرق، وكون الأبصار يكاد سبحانه وتعالى يخطفها، أهي مجاز لأمور معنوية؟، أم هي حقائق وليست مجازا؛ ونقول إن هناك استعارة تمثيلية في جملة القول، ولا مانع أن تكون في كل جملة مجازا، ويتكون من هذه المجازات الصورة التمثيلية الكبرى.

ويميل إلى ذلك أكثر المفسرين، يقول الفراء في قوله تعالى: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فيهِ): أنهم كانوا كلما سمعوا القرآن، وظهرت لهم الحجج أنِسوا ومشوا معه، فإذا نزًّل من القرآن ما يَعْمَون فيه، ويضلون به، أو يُكَلَّفُونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم.

وروي عن ابن عباس " المعنى أنه كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم، وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك ".

وكذلك يفسر الصيب بالقرآن حياة الأرواح، والظلمات والرعد والبرق بما يكرهون به أنفسهم مما يحسبونه شرا عليهم من نصر للمؤمنين، وتمكين للإيمان، وهكذا.

وإن الحق هو أن المثل كله استعارة تمثيلية، أو تشبيه تمثيلي، فقد شبهت حالهم من أن القرآن ينزل في المؤمنين وهم جيرانهم ومعاشروهم، وفيه ماء الحياة الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>