للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلو وأبعده، وموضوع النداء له جلال وخطر، وعظيم شأن؛ لأنه العبادة أو الشرائع. ويقول الزمخشري في ذلك إجابة على سؤال وهو: لماذا كثر النداء في القرآن بـ " يا أيها "؟ فقال: لاستقلاله بأوجه من التأكيد وأسباب من المبالغة، لأن كل ما نادى الله تعالى به عباده من أوامره ونواهيه، وعظاته وزواجره، ووعده ووعيده، واقتصاص أخبار الأمم الدارجة عليهم، وغير ذلك مما أنطق به كتابه أن ينادوا بالآكد الأبلغ.

كان المنادى الناس، مؤمنين وغير مؤمنين، فهو سبحانه وتعالى ينادي الإنسانية كلها لَا فرق بين كافر ومؤمن، وأبيض وأسود، وعربي وأعجمي، والذي يناديهم به أن يعبدوه وحده لَا إله غيره. وطلب العبادة من المؤمنين وغير المؤمنين، وتحقيقها في كل منهما بما يناسبه، فالكافرون الذين يعبدون مع الله تعالى الأنداد، ويتخذونهم شركاء لله - تعالى عن الشبيه والمثل - تكون عبادتهم بخلع عبادة الأوثان، والإيمان بواحد أحد فرد صمد، ليس بوالد ولا ولد، وتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما جاء به وطاعته سبحانه فيما أمر به ونهى عنه، وبالخضوع الكامل له وحده سبحانه.

وبالنسبة للمؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا محمدا فيما جاء به من عند ربه العلي الأعلى، فإن ذلك يكون بزيادة الإيمان، والإذعان، والاستمرار على الإيمان والبقاء عليه مستوثقين، كلما جاءتهم آية زادتهم إيمانا لَا يرتابون، ويجتمعون ويكونون قوة في هذه الأرض، وإن الازدياد من العبادة عبادة في ذاته، وكأنها منشأة بعد أن لم تكن.

والعبادة الخضوع المطلق لله سبحانه وتعالى وحده بحيث يكون القلب كله لله تعالى، لَا يحب إلا لله ولا يكره إلا لله، والعبادات تعم الصلوات، والزكوات، والصوم والحج، وغير ذلك مما يكلفه العباد، حتى الأعمال التي تكون بها الحياة، كلها تكون عبادة إذا قصد بالخير فيها وجه الله تعالى، ونفع عباده، فالصانع في

<<  <  ج: ص:  >  >>