للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) هذا عطف على مغفرة، وفيها إشارة إلى أن مغفرة الله سبحانه تُطلب وحدها؛ لأن فيها طلب رضا الله تعالى، ورضا الله تعالى أكبر غايات المتقين، ولذا قال تعالى في جزاء المتقين: (وَرِضْوَانٌ منَ اللَّهِ أَكْبَرُ). فأكابر المتقين يطلبون رضا الله لذاته لا خوفا من ناره ولا طمعا في جناته.

فالمطلب الأكبر هو المغفرة، والمطلب الذي يليه هو " جنة عرضها السماوات والأرض " وهو ما يطلبه الذين دون الصدِّيقين والشهداء، والعَرض ضد الطول، وهو أقصر منه في الغالب، والنص لبيان سعة الجنة، لأنها رحمة الله تعالى بعباده الأتقياء، ولذا عبر عن هذه السعة بأوسع ما يدركه الحس، وأوسع ما يعلمه الناس من خلقه سبحانه، وقد يقول قائل: لِمَ ذكر العرض، ولم يذكر الطول، وهو أدل على الانفراج والبسط؟ والجواب عن ذلك أن ذكر العرض أبلغ في الدلالة، لأنه إذا كان عرضها كعرض السماوات والأرض فإنه يذهب العقل في إدراك طولها كل مذهب، ويتصور الكثير من الصور، وذلك كقول الله تعالى: (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ. . .)، فإنه إذا كانت البطانة من الحرير الثمين فكيف يكون ما فوق البطانة مما تراه الأعين ويسر الناظرين؛ وقد يقال إن ذكر العرض ذكر للطول فإن تنسيق البيان يوجب المساواة بين طول الجنة وطول السماوات والأرض، كما أن عرضها كعرضهما، ويكون ذلك من الإيجاز البليغ.

وقد فسر أبو مسلم الأصفهاني - العرض هنا - بالأشياء القيمية المعروضة للبيع التي جمعها عروض، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس " (١)، ويكون المعنى على هذا التفسير أن الجنة في قيمتها وعلوها وسموها ومكانتها تعادل السماوات والأرض في قيمتهما، فهي الحياة وهي النعيم المقيم الدائم: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَقِينَ) أي هيئت ووضعت للمتقين، وهم


(١) متفق عليه رواه البخاري: الرقاق - الغنى غنى النفس (٥٩٦٥)، ومسلم: الزكاة: ليس الغنى عن كثرة العرض (١٠١٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>