للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن الظاهر هو الأول، ليتحقق معنى قوله تعالى في بيان سننه إذ قال: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).

هذه هي الفائدة الأولى التي تستفاد مما أصاب المسلمين يوم أحد، وهذه الفائدة هي أن يروا سنة الله قائمة، فلا نصر يدوم، ولا هزيمة تدوم، لأنه لو دام النصر لكان الغرور، ومع الغرور الطغيان، ووراء ذلك الترف، وإذا أصاب الترف نفوس الشعوب ذهبت نخوتها وضؤلت قوتها كما توقع الصِّدِّيق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعرب عندما يتوالى انتصارهم: (والله لتألمن من النوم على الصوف الأذربى (أي صوف أذربيحان) كما يتألم أحدكم من النوم على حسك السعدان) (١).

والداولة معناها تبادل النصر، وقد كان ذلك في أول الإسلام مرة واحدة لكيلا يأخذ الترف السابقين من المؤمنين، وفسر الزمخشري مداولة الأيام بتبادل النصر وقال: (المراد بالأيام أوقات الظفر والغلبة. نداولها: نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء)، وأصل كلمة نداول من الدولة، وهو مصدر لدال يدول بمعنى انتقل من حال إلى حال، أو من يد إلى يد، ومن ذلك قوله تعالى: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ. . .)، أي يتدولون المال فيما بينهم، ولا يصل إلى أيدي الفقراء منه شيء.

والمعنى الجملي: فعلنا ذلك إجراء لسنة من سن ألله التي خلت من قبلكم وهي مقررة في قوله تعالى: (وَتلْك الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا) ولذا عطف عليه قوله تعالى: (ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ):

هاتان فائدتان أخريان لما أصاب المسلمين يوم أحد، فأولاهما - تحقق علم الله تعالى وإظهاره المؤمنين الثابتين، والذين ينافقون، فمعنى علم الله تعالى هو تحقق ما قدره في الأزل، فيعلمه الناس، ويعلمه الله تعالى واقعا حاضرا، ولقد


(١) حسك السعدان: نبات شوكي وهو من أفضل مرعى الإبل، وفي المثل. مرعى ولا كالسَّعدان. الصحاح.
سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>