للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد فهم بعض العلماء أن المراد أن بعض الأنبياء قتل في الميدان فما وهن جيشه بقتله ولا ضعف، فما كان يسوغ لهم أن يضطربوا ذلك الاضطراب يوم أحد.

ولكنا نرى أنه ليس في الآية ما يشير إلى هذا المعنى، حتى يتعين مرادا لها، والحق أن العبرة في كون النبيين كانوا يقاتلون ومعهم مؤمنون صادقو الإيمان، يصيبهم جراح، وتصيب أعداءهم، وما كانت جراحهم توهنهم أو تضعفهم أو تجعلهم يستكينون ويذلون، وقد نفَى الله تعالى عن أولئك الربانيين ثلاثة أوصاف لا تتفق مع الإيمان:

أولها: الوهن فقد نفاه سبحانه وتعالى بقوله تعالى: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والوهن اضطراب نفسي، وانزعاج قلبي، فهو يبتدئ في الداخل، وإذا وصل إلى الخارج كان ضعفا وتخاذلا، وإذا أنتج الضعف نتائجه كانت الاستكانة والذل، ولذلك ابتدأ بنفي الوهن، وقرن نفي الوهن بكون سببه ما أصابهم في سبيل الله للإشارة إلى أن الوهن ينافي قوة الإيمان، لأن من كان يقاتل في سبيل الله عليه أن يعلم الغاية من القتال، وهي توجب تحمل كل الشدائد، والعاقبة للمتقين.

الوصف الثاني: الضعف والتخاذل الذي يوجبه اليأس والاضطراب، وهذا كما قلنا نتيجة للوهن.

والوصف الثالث: الاستكانة، وهي الرضا بالذل والعيش مع الهوان، وذلك ليس شأن المؤمن.

وقد نفَى سبحانه هذه الأوصاف الثلاثة مع أن واحدا يكفي نفيه لنفيها، لأنها متلازمة، لبيان قبح ما يقعون فيه لو سلطوا وصفا منها على نفوسهم فاستمكن فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>