للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن " أشد " العذاب أن يروا مآلهم، ومآل أهل الإيمان، فهم بسبب عنادهم معذبون سلبًا وإيجابًا. . معذبون سلبا بحرمانهم مما جزى به أهل الإيمان من جنات ونعيم، ومعذبون إيجابا بعذاب الجحيم.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ) بشر فعل أمر من التبشير، وأصله من البشارة، وأصلها الخبر الذي يجيء المبلغ به فتبدو آثار السرور على بشرته، فهو الخبر بالأمر الذي يسر ولا يضر، ويكون أول الخبر بالسرور، وصاحبه يسمى البشير: (فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاه عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو البشير النذير، الذي يبشر أهل الحق واليقين، وينذر أهل الجحود والإنكار.

وقد تطلق على سبيل المجاز كلمة التبشير في مقام التهديد والإنذار كقوله تعالى: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وهذا على سبيل السخرية والتهكم، كأنهم يترقبون مايسرهم، فيجيء الخبر بما يضرهم ويسمى باسم البشارة تهكما بهم، وإشارة إلى أن ذلك ما يجب أن ينتظروه ويترقبوه، والله محيط بهم.

وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فيه إشارة إلى سبب البشارة، لأن التعبير باسم الموصول دليل على أن الصلة سبب الحكم، فالإيمان والعمل الصالح هما السبب في البشارة، أو هما السبب في الجزاء بأن تكون لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وثمرات الجنة المتشابهة المختلفة الطعوم.

والإيمان هو التصديق والإذعان بالقلب، وأن يصدق المؤمن بكل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يصدق الرسول في كل ما جاء به مذعنا له، مصدقا بأنه من عند الله تعالى، والإسلام هو إعلان الإيمان، والإذعان لأحكام الإسلام، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الإسلام علانية، والإيمان في القلب. . " (١) ولقد حدث في أثناء


(١) أخرجه أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: باقي مسند المكثرين (١١٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>