للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قتلتم، ولا الكواعب أردفتم (١)، بئسما صنعتم، ارجعوا). فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فندب المسلمين، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد، ولكن خذل الله المشركين، وقوى المؤمنين، فرجع المشركون من حيث جاءوا، ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ندب المؤمنين أذن مؤذن رسول الله بطلب العدو، وأذن مؤذنه " ألا يخرجن معنا إلا من حضر أُحدا (٢)، فخرجوا فهؤلاء هم الذين استجابوا لله والرسول، لأنه لم تأخذ الهزيمة من نفوسهم، وإن أصيبوا بكلوم في أجسامهم، وقد قال سبحانه وتعالى في جزائهم.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيمٌ) اختص سبحانه وتعالى من أولئك الذين جاهدوا ولم يستشهدوا بعد بأن لهم أجرا عظيما، وهنا يلاحظ ثلاثة أمور: (أولها) أن الله لم يذكر الأجر لهم جميعا، لأنهم كانوا أحياء، والحيّ قد يغير ويبدل، فكان لابد من التقييد بالإحسان والتقوى، أي يستمر على ما هو عليه.

(وثانيها) أن الإحسان هنا غير التقوى، إذ الإحسان هو إجادة الخطة، واتباع المنهج المستقيم في القتال، وذلك لابد منه في الانتصار، والطاعة المطلقة للقائد من إحكام الخطة.

(ثالثها) أن التقوى - وهي وقاية النفس من الغرض والهوى والاتجاه إلى الله وإخلاص وقلب سليم خال من الشوائب - أساس الأجر العظيم، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم.

* * *


(١) أخرجه النسائي: السنن الكبرى ج ٦، ص ٢٧٦ (١٠٩٧٩). وفي مجمع الزوائد: ج ٦، ص ١٧٦ وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الجواز، وهو ثقة. وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (باب قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح).
(٢) السيوطي: الدر المنثورج ٢ ص ١٠٢، وعزاه لابن جرير عن عكرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>