للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإملاء: الإمهال والتخلية بين العامل والعمل ليبلغ مداه، من قولهم: أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء، ويطلق الإملاء على طول العمر، وهو من أملى بمعنى أعطاه ملاوة أو مهلة من الزمان. جاء في مفردات الراغب الأصفهاني: " الإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملى من الدهر ".

وهنا في النص الكريم قراءتان إحداهما بالياء أي: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ) ويكون النهي عن الظن متجها للذين كفروا، والمعنى على هذا لَا يجل بخواطر أولئك الكافرين أن إملاءنا لهم بإعطائهم نعيما في الدنيا، وإرخاء العنان لهم، وتمتيعهم وعدم القضاء عليهم دفعة واحدة - فيه خير لهم، ويكون مفعولا يحسب قد سد مسدهما " أنْ " المصدرية و " ما " بعدها فإن ذلك كثير في القرآن وكثير من كلام العرب، كقولك عن شخص: لَا يحسب أنه عالم.

وعلى القراءة الثانية (١)، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) يكون الخطاب بالنهي متجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكون المفعول الأول هو (الَّذِينَ كَفَرُوا)، و (أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفسِهِمْ) بدل من الذين كفروا، وسد مسد المفعول الثاني، ويصح أن يكون هو المفعول الثاني، ويكون المعنى على هذا: لا تظن يا محمد ولا يظن أحد من أمتك الذين كفروا قد أُمْلِي لهم لخير يأتي هم، ويكون توجيه الظن إلى الذين كفروا له فائدة؛ لأن الظن قد سبق إلى المؤمنين من أشخاصهم، وما أوتوا من مال وقوة وعزة نفر، وبقاءهم على هذا أمدا طويلا.

وقد صرحِ سبحانه من بعد ذلك بنتيجة الإملاء فقال سبحانه: (إِنَّمَا نمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مهِينٌ).


(١) أي: (ولا تحسبن) قرأها بالتاء خطابا: حمزة، وقرأ الباقون بالياء فيها، وكذلك في الآية (١٨٠) التي بعدها من نفس السورة. غاية الاختصار ج ٢ ص ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>