للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيضاء تأكله، وقد ادعى اليهود أن ذلك عُهد من الله عهد إليهم، وهو ادعاء باطل، فهذا الأمر إذا كان معجزة لرسول لَا يستلزم أن يكون معجزة لكل رسول، وآيات الله تعالى لإثبات رسالات الرسل متعددة النواحي، مختلفة المناهج، لكل أمة منهاج من الإعجاز يناسبها، وكون هذا كان حجة من الحجج الدالة على الرسالة وصدق الرسول في زمن - لَا يقتضي أن يكون حجة في كل الأزمان.

ولا شك أن ذلك النوع من الإعجاز قد وقع، وذلك لأن الله تعالى يقول: (قلْ قَدْ جَاءَكمْ رُسُلٌ من قَبْلِي بِالْبَياتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ)، والذي قالوه هو أن يأتي هم بقربان تأكله النار.

ولتتميم الكلام في النص لابد أن نتعرض لتفسيرات لفظية لبعض الكلمات، ومن هذه الكلمات كلمة (نؤمن لرسول)، وكلمة (قربان)، وكلمة (يأتينا)، وكلمة (تأكله).

ومعنى (نُؤْمِنَ لِرَسول): أي نذعن لما يدعو إليه ونخضع؛ إذ المطلوب منهم هو الإذعان للحق والخضوع له والتسليم به، لَا التصديق الجرد الذي يصوره مجرد إيمان، فالفرق بين الإيمان بالرسول والإيمان له أن الأول يتضمن معنى التصديق، وإن لم يكن معه إذعان والتسليم والخضوع لما يدعو إليه.

ومعنى (يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) أن الرسول هو الذي يأتي بالقربان من النعم وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى من النعم، ويقدمه هو، تنزل النار البيضاء من السماء فتأكله، فليسوا هم الذين يقدمون القربان الذي تأكله النار، بل الذي يفعل ذلك هو الرسول إعجازا، ولبيان أنه رسول، ولا يقال حينئذٍ إنه إذا كان كل قربان تأكله النار لَا تكون ثمة فائدة يستفيدها الفقراء من القرابين، بل هذه حال خاصة يأتي ها النبي من الأنبياء، ويقوم بها فتكون تلك الأمارة التي على التأييد من السماء، كانقلاب العصا حية، وانبجاس الماء من الحجر، وانفلاق البحر اثنا عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>