للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبعوضة أصغر - من الذبابة، (مَا) هي التي تسمى في عرف النحاة نكرة تامة بمعنى شيء، فهي شيء مبهم، وإذا جاء بعد نكرة كانت للدلالة على إيقاعها في الإبهام، فالمعنى بعوضة أيا كانت هذه البعوضة صغيرة أو كبيرة حقيرة أو خطيرة، فالله سبحانه وتعالى لَا يترك ضرب الأمثال بالبعوضة أو ما دونها.

وإن الكلام البليغ يضرب المثل للحقير، بحقير، والمثل للعظيم بعظيم، فيضرب فيه أوهامهم في آلهتهم من حيث إنها لَا تقوى على النظر، ولا يمكن أن تكون معقولة، وحالها يناقض كل معقول بأنها كمسكن العنكبوت الذي تهدمه الرياح لأنه أوهن البيوت، وإن كان نسجها محكما، يدل على حكمة اللطيف الخبير، ولكن موضع المشابهة هو الوهن فقط.

وقد يكون ضرب المثل للبعوضة، ببيان إحكام تكوينها، وبديع خلقها، كما كان مثل الذباب من حيث خلقه وتكوينه، وعجز الآلهة ولو اجتمعوا له أن يخلقوه. ونرى من هذا أن التمثيل بالبعوضة يكون فيه تشبيه حال الضعف، ببعض الضعف في نواحيها، كما رأينا في تشبيه أوهامهم حول الأصنام التي يعبدونها، من حيث إنها لَا تقوى على نظر مستقيم في أمرها، ببيت العنكبوت الذي هو أوهن البيوت.

وإن هذا النص الكريم يدل على أن ضرب الأمثال بصغير الأشياء وكبيرها يليق بالبيان الحكيم، وذكر الله تعالى في كتابه الحميد المجيد.

وإن الأمر الجدير بالاعتبار والتقدير يختلف تلقي الناس له، فالقلب الذاكر الطاهر الذي يطلب الحقائق ويتقبلها ويدركها معتبرًا متعظًا مؤمنا يزداد إيمانا، والقلب المضطرب الذي يعاند، ويكابر ويثير الاستغراب والعجب، وكأنه يحاول بذلك أن يثير غبارًا حول الحقائق الثابتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>