للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمر الثالث أنهم قاتلوا في سبيل الله تعالى فجاهدوا الأعداء واستشهدوا في هذا القتال، فلهم فضلان: فضل القتال والتقدم، وفضل الاستمرار فيه والشهادة في سبيل الحق، وقد بين سبحانه وتعالى الجزاء بقوله تعالت كلماته: (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ).

السيئات هي ما تسوء، ومعنى تكفيرها المبالغة في سترها، حتى تعتبر نسيا منسيا، وهذا أولى الجزاء، والثاني: إدخالهم الجنة، وقد صورها بأقرب صور نراها للنعيم في الدنيا، وهي الجنة التي تجري الأنهار من تحتها. هذا، وإن نعيم الجنة حسي، وهو فوق ما نراه في الدنيا، وإن كان تصويره لَا يكون إلا بما نراه، فإن فيها ما لَا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي تقديم تكفير السيئات على إدخال الجنة ما يسميه العلماء التخلية قبل التحلية، أي تطهيرهم مما كان منهم من سيئات، ثم تحليتهم بأعظم نعيم يكون في الآخرة.

وقد أكد سبحانه وتعالى ذلك الجزاء بـ " اللام " الدالة على القسم، و " بنون التوكيد " الثقيلة، وبتوكيد معنى الكلام كله بالمصدر (ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ) إذ هو مصدر لما تضمنه معنى (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) ومعناه: لأثيبنهم ثوابا، وقد أكد ذلك الثواب بأنه من عند الله تعالى ذي الجلال والإكرام، وإذا كان من عند الله فهو يتضمن رضوانه، ورضوانه سبحانه وتعالى أكبر، كما قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَر. . .).

والثواب أصله من رجوع الشيء إلى حالته، فكأن الجزاء على العمل رجوع بالعمل إلى الحال التي يكون عليها أو يستحقها، وقد قال الراغب في ذلك: " والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله، فيسمى الجزاء تصورا أنه هو هو (أي أن الجزاء هو ذات العمل) ألا ترى كيف جعل الله الجزاء نفس العمل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، ولم يقل جزاه، والثواب يقال في الخير والشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، وعلى هذا قوله عز وجل: (ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>