للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصفة الأولى - نقض عهد الله تعالى من بعد ميثاقه، والنقض فك ما أبرمه الشخص ووثقه وأكده من بناء أو وثيقة أو عهد، وإن الميثاق الذي يعقد بين الناس يوثقه بيمين الله تعالى، ولذلك يسمى اليمين، ويقول تعالى: (وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. . .)، ويسمى عهد الله تعالى، لأنه إذا أكده بيمين فكأنه عاهد الله تعالى على الوفاء بها، وعدم النكث فيها فكأنه عاهد الله تعالى.

و (مِيثَاقِهِ) معناه كما أشرنا العهد الموثق باليمين. وما المراد بالميثاق الذي نقضوه؛ قال بعض العلماء ونحن، نوافقهم، أنه ميثاق الفطرة الإنسانية، فقد خلق الله الناس، وأخذ منهم ميثاقهم بمقتضى الفطرة بالعبودية لله رب العالمين، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣).

وإن أولئك الفاسقين الذين خرجوا على الفطرة قد نقضوا ذلك العهد التكويني الذي كون الله تعالى بني آدم على أساسه؛ ولذلك يقول ابن حزم، ومعه بعض العلماء، إن معرفة الله بدهية لذوي العقول المستقيمة المدركة. وكانت الرسالة للتذكير بهذه الفطرة، وإيقاظها، إذا غفلت، ولحسابها إذا نبهت ولم تنتبه؛ ولذلك قال تعالى: (وَإِن مِنْ أُمَّةٍ إلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)، وقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥).

هذا معنى واضح جيد مستقيم تؤيده نصوص الكتاب الحكيم، ولكن مع ذلك قد يراد نقض العهود الموثقة بالأيمان وعدم الوفاء بالمواثيق التي تنظم العلاقات بين الناس آحادا وجماعات؛ لأنَّ ذلك من سمات الكفر، وخصوصا الذي يصحبه نفاق، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الكفار بذلك في أكثر من آية، فقال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>