للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والرضاعة المحرمة عند مالك وأبي حنيفة هي كل مقدار قل أو كثر، وعند الشافعي وأحفد لَا يحرم إلا خمس رضعات مشبعات ليمكن أن يكون الولد جزءا ممن أرضعته؛ إذ يكون قد أخذ منها غذاء يوم كامل. ولا بد أن تكون الرضاعة في الصغر، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الرضاعة من المجاعة " (١) وذلك يكون في السنتين الأوليين من حياة المولود، ولذا قال سبحانه: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ. . .). وقال أبو حنيفة: إن الرضاعة المحرمة هي ما تكون في الثلاثين شهرا التي أعقبت الولادة.

والحكمة من التحريم بالرضاعة أن المولود يتكون جسمه من جسم التي أرضعته فيكون جزءا منها، كما هو جزء من أمه، التي حملته، وإذا كانت هذه غذته بدمها في بطنها، فتلك غذته بلبنها في حجرها، وربما تكون مدة الإقامة في حجرها أطول كثيرا من مدة الحمل، فكان لابد أن يثبت لهذه الأم الرضاعية ما يثبت للأم النسبية من حُرْمَة وكرامة، وإن تكريم المرضعات بذلك التحريم الذي يكون للأمهات الحقيقيات يشجع النساء على الرضاعة، فلا يضيع الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم، وفي هذا التحريم فوق ذلك تنبيه إلى أن يتخير الآباء من يرضعن أولادهم؛ لأنهم إذا علموا أن أولادهم ستتكون أجزاؤهم ممن يرضعنهم تخيروهن من ذوات الأجسام القوية، والدماء النقية التي لَا يدنسها مرض ينتقل بالوراثة، ولقد كان العرب والسلف الصالح يتخيرون مراضع أولادهم لهذه المعاني. .

(وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) هذه النصوص تعرضت للمحرمات بسبب المصاهرة، وهي تتم ما ابتدأه سبحانه


= امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي عَمُّكِ؟»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ. [رواه البخاري واللفظ له: النسب - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: تربت يمينك (٦١٥٦)، ومسلم مختصرا (١٤٤٥)].
(١) متفق عليه: رواه البخاري (٢٥٩٥) كتاب الشهادات - باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، ومسلم: إنما الرضاعة من المجاعة (٣٥٦١). من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>