للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعبر عنه بها. وفي الحق أن المستقرئ لاستعمال القرآن يتبين له أن (مَا) و (مَنْ) يتبادلان من يعقل وما لَا يعقل، فمن استعمال (ما) لمن يعقل هذا النص، ومن استعمال (من) لما لَا يعقل قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)، ولذلك أرى أنه لَا ضرورة لتعيين إحداهما للعقلاء والأخرى لغير العقلاء، ثم التمحّل (١) من بعد ذلك، فكتاب الله تعالى هو حجته الفصحى، وليس من حجة تقاربه.

وكلمة (وراء) المراد بها غير هؤلاء، وهي في أصل استعمالها للخَلْف، وكأن المعنى أن المحرمات مقدمات إلى الأمام، والمحللات خلفهن، وفي ذلك إشارة إلى أن التحريم كان للتكريم والتشريف، وملاحظة المودة، فليس التحريم إيذاء، ولكنه تكريم. وقد قيل إن الآيات السابقة لم تشمل كل المحرمات، فالجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها، حرام، ولم ينص عليه في المحرمات، فكأن الجمع جائز بينهن، ولقد فهم هذا بعض الذين لَا يأخذون بالسنة المشهورة، وقد أجيب عن ذلك بإجابتين:

الأولى: أن هذا النص جاء بصدد بيان المحللات بذواتهن، بخلاف التحريم - لعارض الجمع فقد بينته السثُنة، فإن الخالة وحدها حلال (٢)، وبنت الأخت وحدها، وكذلك بنت الأخ والعمة، كل واحدة حلال بذاتها، إنما التحريم هو في الجمع، والنص بين المحللات لذواتهن، وهذه الإجابة بينها الشافعي في الرسالة.

الثانية: أن التحريم ثابت في الجمع بالنص السابق، لأن النص السابق قال الله فيه سبحانه فحرم الجمع بين الأختين بالنص، وثبت تحريم الجمع بين الخالة وبنت أختها والعمة وبنت أخيها بالأولى، لأن الخالة صِنْوُ الأم، وكذلك العمة،


(١) تمحل للأمر: احتال له [القاموس - محل].
(٢) أي خالة المرأة وحدها حلال، وهكذا عمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>