للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقول في الجواب عن ذلك: إن الموت لَا يقتضي وجود حياة سابقة، بل يطلق على الجماد ذاته، فيقال: أرض موات، وأرض ميتة، وإحياؤها يكون بوجود الغيث وإنباتها النبات بإذن الله تعالى، كما قال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)، وقال تعالى: (رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كذَلِكَ الْخُرُوج).

فقوله تعالى: (كنتُمْ أَمْوَاتًا)، أي كنتم لَا حياة فيكم فأحياكم فخلق التراب ثم أنشأكم منه، فأحياكم فأفاض عليكم بالحياة، وهم قبل هذا الإحياء لم يكونوا شيئا مذكورا كما قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورً)، وقوله تعالى: (وَكنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ) خطاب لهم بالانتقال من الغيبة إلى الخطاب، وهو دال على أن ذلك يعلمونه بالعيان والحس، لا بمجرد التصور والتفكر، (ثمَّ يُمِيتُكُمْ) و (ثُمَّ) هنا للتراخي؛ لأنه بعد الإحياء يعيش أجلا محدودا، ثم يموت، و (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)، (ثُمَ يُحْيِيكُمْ) بالبعث والنشور، ثم تكون القيامة، ثم إليه سبحانه ترجعون، وذلك هو مدلول قوله تعالى في آية أخرى: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا. . .)، وإنه كما ذكرنا أخذ من الواقع الذي يحسونه، دليلا على وقوع ما ينتظرهم، وينتظرونه، وهو البعث، فإذا كان سبحانه وتعالى أنشأ من العدم حياة ثم سلبها، فإنه قادر على إعادتها، ولكنهم يؤمنون بالحس وحده، ولا يؤمنون بالغيب الذي لَا يحُسُّون.

قوله تعالى: (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وثم هنا للتراخي؛ أي بعد أن يقضوا حياتهم، ويموتوا ويدفنوا في قبورهم يرجعون ليحاسبهم على ما قدموا من عمل، فإن خيرًا فخير، وإن شرا فالعذاب.

وتقديم (إِلَيْهِ) على (تُرْجَعونَ) للإشارة إلى أنه وحده هو الذي إليه يرجعون، لَا إلى آلهتهم التي يتوهمون بأوهامهم فيها قدرة، ولا قدرة، فالرجوع إليه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>