للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: تقلب المال بالأسفار، ونقله إلى الأمصار، وهذا أليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة " (١).

وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حث على الاتجار بالنقل من بلد إلى بلد، ومنع الاحتكار وما يؤدي إليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " المحتكر خاطئ والجالب مرزوق " (٢).

(وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) جاء هذا بعد النهي عن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن المال عند الناس بمنزلة النفس أو قريب منها، وقد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفسَكمْ) فقال بعضهم: معناه لا يقتل أحدكم نفسه، فإن ذلك إثم، ومن قتل نفسه فقد اعتدى على نفس حرّم الله قتلها، وهذا تأويل غير متفق مع السياق، وإن كان ظاهر اللفظ ربما يفيده، وقال بعضهم: إن المعنى ولا يقتل بعضكم بعضا، فإن قتل واحد منكم للآخر قتل لأنفسكم، وتحريض على الدماء بينكم، وقتل نفس كقتل الناس جميعا، ومن ذلك قوله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعَا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، وإن السياق على هذا يكون فيه ترقٍّ في النهي عن الاعتداء، ابتدأ بمنع الاعتداء على المال، ثم بمنع الاعتداء على النفس، فهو انتقال من الكبيرة إلى أكبر منها. وقال بعضهم إن المعنى لَا تقتلوا أنفسكم بأكل بعضكم أموال بعض، وبارتكاب المعاصي، فإن ذلك مفرق لجماعتكم مفسد لأمركم مذهب لوحدتكم، وبذلك تقتل الأمم والجماعات، وقد ارتضى هذا ابن بشير فقال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفسَكُمْ) أي بارتكاب محارم الله تعالى ومعاصيه، واكل أموالكم بينكم. وإن هذا هو الذي نرتضيه، وهو يتضمن في ثناياه النهي عن القتل بكل ضروبه لأنه داخل في محارم الله.


(١) راجع الجامع لأحكام القرآن: تفسير سورة النساء (٢٩). الجزء ٥، ص ٣١.
(٢) روى مسلم في صحيحه: المساقاة - تحريم الاحتكار في الأقوات (١٦٠٥) أنه كَانَ سَعِيدُ بْنُ
المُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أنَّ مَعْمَرًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَن احْتكَرَ فَهُوَ خَاطِئ ".
ومعنى الاحتكار: إمساك السلعة وعدم بيعها حتى يرتفع ثمنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>