للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ... (٣٢)

* * *

التمني تصور ما لَا حقيقة له وطلب ما لم تتخذ الأسباب لتحصيله، ويتضمن معنى الطمع فيما في يد الغير، والحسد له، وإن ذلك يؤدي إلى شقاء النفس وفساد الخلق والدين، وإن الله تعالى فضل بعض الناس بالعقل والذكاء، وبعضهم بالجاه، وبعضهم بالقدرة على إدارة شئون الدولة، وبعضهم بفضل من المال. والفضل معناه الزيادة لَا ترتيب الدرجات، فقد يكون المفضول أعلى درجة عند الله ممن زاد عليه. ومعنى النص الكريم: لَا تتمنوا ولا تطمعوا وتتطلعوا إلى ما زاد الله به بعضكم على بعض في المال أو الجاه أو العمل أو الجهاد، فإن ذلك يجعلكم في اضطراب وبلبال مستمر وقلق دائم يزعجكم ويزعج المجتمع بكم، وما كانت الانقلابات الاجتماعية والفتن المخربة إلا بسبب تطلع كل إنسان لما أعطاه الله غيره من فضل ليس عنده، فذو المال يحسد ذا العقل والتدبير، والفقير يحسد ذا المال، وهكذا يكون كل إنسان في انزعاج بسبب تمنيه وتطلعه لما لَا يستطيع.

وإن الله سبحانه وتعالى قد سهل عمل الخير لكل إنسان، وله من نتائج عمله الجزاء على قدر العمل، وإن التكليف على قدر الطاقة وعلى مقتضى التكوين الإلهي للأشخاص والأنواع، ولذلك قال سبحانه:

(لِّلرِّجَالِ نَصيبٌ ممَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ ممَّا اكتَسَبْنَ) إن للرجال حظا مما اكتسبوا من أعمال قاموا بها من جهاد في سبيله، وإدارة لشئون المسلمين، وفصل في الخصومات، وقيام بالتكليفات العامة، وللرجال حظ من الأموال بمقدار ما يكلفون من أعمال اجتماعية، وللنساء نصيب وأجر مما اكتسبن، فلهن جزاء على آلام الحمل وآلام الوضع، وآلام التربية والسهر على الطفل والرعاية لشئونه، والصبر على هذه الرعاية، ولهن الجزاء الأوفى على القيام على مملكة البيت التي هي راعيتها، ولهن من المال في الميراث بمقدار ما يكلفن من تكليفات اجتماعية، فليرض كل من الرجال والنساء بحظهم الذي يتفق مع تكوينهم وكل له جزاؤه في الواجبات العامة لكلا الصنفين، والواجبات الخاصة بأحدهما، ولا يتمنَ أحد ما ليس له.

<<  <  ج: ص:  >  >>