للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن الذي يبدو لنا من ظاهر النص أنه يراد به سحقهم في القتال، وحملهم على أن يولوا الأدبار، فتكون وجوههم غير بادية بصورها، بعد أن كانوا مقبلين بها، فأزالها السيف والخوف، وجعل صورتها مختفية، وأقفيتهم هي البادية الواضحة، فكأن صورة الوجوه قد زالت وحلت محلها صورة الأدبار.

وعلى ذلك يكون المعنى أنكم استرسلتم في غيكم وضلالكم، ومع ذلك نطالبكم بالهداية والإيمان قبل أن ينزل الله سبحانه وتعالى غضبه عليكم في الدنيا إذ تماديتم، وذلك بتسليط المؤمنين بالحق عليكم، فيذيقونكم بأس القتال فتفرون، وتختفي وجوهكم، وترد إلى مواضع الأدبار، فلا ترى إلا أدباركم. وإذا لم يكتب الله سحقكم وحملكم على تولى الأدبار، فإنكم ستلعنون كما لعن أصحاب السبت، وتطردون من رحمته، ويكتب عليكم الذل إلى يوم القيامة.

(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) اللعن الطرد من الرحمة وإنزال العذاب، وقد كان في شريعة بني إسرائيل ألا يعملوا في يوم السبت ليستريحوا وينصرفوا للعبادة، والتعاون الاجتماعي، ولكن رغبتهم في المال وشرههم إليه كان يحمل بعضهم على العمل، فإنه كانت قرية كبيرة تطل على البحر، قد اختبرها الله تعالى، فكانت في يوم السبت تأتيهم الحيتان ظاهرة في هذا اليوم الذي ينقطعون فيه عن العمل، ولا تأتيهم في اليوم الذي يعملون فيه، ليحملهم الله تعالى على الطاعة للأوامر الإلهية، وليدركوا سر الله في خلق الكون، وأنه فعال لما يريد، وهذا قوله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣):

وقال سبحانه: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، فالله سبحانه عاقب الذين اعتدوا في السبت بأن سلط عليهم نزوات أهوائهم وشهواتهم، وبها ضربت عليهم الذلة، ولعنهم الله تعالى، فكذلك هؤلاء الذين عاندوا وكفروا. وذلك أمر قدره الله عليهم فهم ملعونون في كل الأجيال

<<  <  ج: ص:  >  >>