للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينفرون من العدل والحق نفورهم من الإيمان الصريح الذي لَا دَخَلَ فيه (١)، ومن الطريق المستقيم الخالي من العوج.

وفى الآية الكريمة إشارتان بيانيتان:

إحداهما - التعبير بقوله تعالى: (إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) فإن هذا يبين لهم أنهم يتركون الحكم المنزل من السماء من عند الله إلى حكم الأرض وأهواء أهلها، ويبين لهم أن الرجوع في الحكم إلى الرسول هو رجوع إلى حكم الله الذي ينطق به رسوله الأمين، وأن امتناعهم عن ذلك إنكار للرسالات الإلهية مع أنهم من أهل الكتاب، الذين يعتزون على العرب بأنهم يؤمنون بشرائع السماء ويخرهم أميون!! ثم يبين ذلك أن الخضوع لحكم الرسول خضوع لحكم الله تعالى وما أنزله الله، فالمعترض على حكم الرسول معترض على الله سبحانه وتعالى.

الثانية - في قوله تعالى: (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) فإنه يشير إلى أن الذين يعرضون عن حكم الله تعالى وينفرون منه هم المنافقون الذين يسرون ما لَا يظهرون ويخفون ما لَا يبدون، فالإعراض عن حكم الله تعالى سمة من سمات النفاق أو بالأحرى أوضحها وأبينها.

والنص يشير مع هذا إلى أن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت فريقان: فريق ضعيف الإيمان، وفريق منافق، وأن المنافقين من بينهم شديدو النفرة والإعراض. اللهم إلا أن يقال إن ذلك إظهار في موضع الإضمار، أي أن الذين يزعمون أنهم آمنوا بالله وبالرسول، الذين يرتضون حكم الطاغوت هم منافقون، وهم بسبب نفاقهم يعرضون عن حكم الله إعراضا شديدا، فهم طائفة واحدة!


(١) والدَّخَل: ما داخَل الإِنسانَ من فساد في عقل أو جسم، وقد دَخِلَ دَخَلا ودُخِلَ دَخْلاً، فهو مَدْخُول أي في عقله دَخَل. وفي حديث قتادة بن النعمان: وكنت أرى إِسْلامه مَدْخُولا، الدَّخَل، بالتحريك: العيب والغِش والفَساد، يعني أن إِيمانه كان فيه نِفَاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>