للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفريق الثاني من قافلة الأبرار، الصديقون، ومرتبتهم تلي مرتبة النبيين، والصديقون جمع صدِّيق، وقد فسر العلماء الصديق بأنه الصادق الذي لَا يكذب، وقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني: الصدِّيق من كثر منه الصدق، وقيل: يقال لمن لَا يكذب قط، وقيل: لمن لَا يتأتي منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بعمله. قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّه كَانَ صِدّيقًا نَّبيًّا)، وقال: (وَأمُّه صِدِّيقَة. . .)، وقال: (مِّنَ النَّبِيَّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).

وان هذه المعاني متلازمة، فمن صدق في قوله لَا يكذب قط؛ إذ يصير الصدق عادة نفسية له، فلا يتأتي منه الكذب، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا " (١).

وإن الصدق في القول إذا صار عادة نفسية زكت النفس وطهرت، واستقام الفكر والعمل، وصار يدرك الحق لذات الحق، ويتجه إلى طلبه من غير التواء، فيدركه من غير طلب حجة ولا برهان؛ لأن أمارات الحق تلوح له، ويدركها بنور قلبه. وكذلك كان صدِّيق هذه الأمة أبو بكر رضي الله عنه، وقد روى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له نظرة، غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم " (٢).


(١) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ". رواه مسلم: البر والصلة والآداب - قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (٢٦٠٧)، كما رواه البخاري بلفظ مقارب. الأدب - قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (٦٠٩٤)].
(٢) رواه الديلمي عن ابن مسعود. كما في كنز العمال (٣٢٦١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>