للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كشف ابن الأرض فيه الفضاء، وصارت الحرب لَا تكون بشجاعة الشجعان، بل تكون بالأدوات وغيرها. . ولقد قال أبو بكر لخالد بن الوليد يوم حرب اليمامة: " حاربهم بمثل ما يحاربونك به "! فعلينا أن نعد العدة بمثل ما يعدون، وقد ابتكروا ما يخرب الديار، فعلينا أن نعمل بهذا الابتكار، فإن الشر لَا يدفع إلا بمثله. والله من ورائهم محيط.

والثانية في قوله تعالى: (فَانفِرُوا ثُبَات أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)، فمعنى انفروا: اخرجوا إلى ميدان القتال أو الحراسة. وقالوا: إن نفر يتفر معناه انزعج وخرج إلى عمل من الأعمال، ومنه قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ منْهُمْ طَائِفةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ)، ومصدره النفر أو النفار أو النفير، والأخير قد يطلق بمعنى الجماعة النافرة. وقالوا إنَّ نَفَرَ يَنْفُر - معناها انزعج عن الشيء، ومنه النفور من الأمور ونفور الدابة. (وثُبَات) جمع ثُبَة، وهي في الأصل ثُبَيَّة، حذفت الياء، ووزنها فعة، ويقال: ثيبت الجيش، جعلته ثبة ثبة، أي جعلته جماعة متفرقة، كل واحدة لها مقصد خاص، وعمل تقوم به، اقتضاه توزيع القوى.

والنفير جماعة جماعة، هو الحال الدائمة المستمرة، فيجب أن تكون حراسة مستمرة للحدود والثغور، وهي المرابطة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

وأما النفير العام فإنما يكون عند قيام الحرب التي لَا تكفي فيها كتيبة، أو كتيبتان، أو كالتعبير التاريخي في الإسلام: سرية أو سريتان أو أكثر، بل لَا بد من الجيش المحارب كله والأمة من ورائه تؤيده وتؤازره.

ولكن ما المراد من النفير جميعا؛ أهو الجيش المحارب كله، أم نفير الأمة كلها؟ لَا شك أنه إذا لم تغن السرية وجب أن يتقدم الجيش كله، وتقدم الجيش كله هو في معنى نفير الأمة كلها؛ لأن الأمة عليها أن تكوِّن الجيش المقاتل، تؤازره وتؤيده بالمال والقول والعمل، وتكون من وراء ظهره تدفعه إلى العمل وتحميه من

<<  <  ج: ص:  >  >>