للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليَّ رشول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل (أي دية) زوجها أشيم " فورَّثها عمر بعد أن علم بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا، وما كان له أن يخالفه (١).

والدية عند الأكثرين تجب على عصبة القاتل، ليكون ذلك دليلا على تضافر الأسرة كلها، وإذا كان فقيرا وأسرته فقيرة، فإن دية المقتول تكون على بيت مال المسلمين؛ لأنه وارث من لَا وارث له، فيجب عليه ما كان يجب على الوارث؛ ولأنه لَا يطل دم في الإسلام، ولأنه إذا كانت الأسرة الصغرى قد عجزت عن دفع الدية، فإنها تجب على أسرته الكبرى، وهي الأمة. وهنا بحثان لفظيان: أولهما: التعبير عن أداء الدية بقوله: (مُسَلَّمَة إِلَى أَهْلِهِ). فإن هذا التعبير يومئ إلى وجوب حسن الأداء، بألا يكلفوا أسرة المقتول شطط التقاضي والمطالبة، فيجمعوا عليها ألم الفقد، ومضاضة الشكوى والتظلم، وهذا مثل قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ).

والبحث الثاني: قوله تعالى (إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا)، أي إلا أن يتبرع أهل القتيل، وفي التعبير بكلمة " يصدقُوا " إشارة إلى أن ذلك أمر مرغوب فيه محبب، وأنه صدقة لها ثوابها، إذا كان أولياء القاتل وعصبته يرهقون بأدائها، أو كان العطاء من بيت المال فيتركونها صدقة لجماعة المسلمين، وإن ذلك يكون إذا كانوا هم في ثروة لَا يحتاجون معها إلى هذه الدية، وفي الجملة يكون لها كل أحكام الصدقة، ولا صدقة إلا عن ظهر غنى.

بقي أن نبين الحكمة في هذه العقوبة: لماذا كانت العقوبة أولاً؟ ولماذا كانت بهذا الشكل؟! أما عن شرعية العقوبة، فحكمتها واضحة وهي تربية الناس على


(١) رواه الترمذي وصححه: الديات - في المرأة هل ترث من دية زوجها (١٤١٥)، وأبو داود: الفرائض (٢٩٢٧)، وابن ماجه: الديات (٢٦٤٢)، وأحمد: مسند المكيين - مسند الضحاك بن سفيان رضي الله عنه (١٥٣١٨) عن سعيد بن المسيب والضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>