للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتكون الهجرة في سبيل الله تعالى: إذا كانت للفرار من الفتنة في الدين، أو لدفع الذل وطلب العزة، أو للخروج من أرض ليست تحت ولاية الإسلام إلى أرض فيها ولاية الإسلام، أو من أرض فيها ظلم سائد واقع على الأبدان أو المال ولو كانت من ولاية الإسلام، أو كانت الهجرة لتكثير سواد المسلمين في إقليم قلَّ فيه عددهم، وهي الانتقال من أرض إسلامية مزدحمة بالسكان قد اكتظت بأهلها إلى أرض إسلامية خالية من السكان، فإنها تكون مظنة أن يأخذها أعداء المسلمين، فتكون قوة لهم على المسلمين. ففي كل هذه الأحوال تكون الهجرة في سبيل الله تعالى:

(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

رَحِيمًا) المهاجر في سبيل الله تعالى ينتقل من حمى الناس إلى حمى الله تعالى، فهو مهاجر منتقل إلى جانب الله تعالى ورسوله، فإذا كان يترك بيته وأهله وعشيرته، وجيرانه الذين عاش بينهم وعاشرهم، فهو يتركهم إلى جانب أعظم، ورحاب أوسع، وهو جانب الله تعالى ورسوله ورحابهما. وإن المهاجر إلى الله تعالى في سبيل تحقيق مقصد من مقاصد دينه التي نوهنا عنها سابقا ينال إحدى الحسنيين: إما الظفر بالسعة والعزة، والمال، وإما الظفر بالأجر العظيم، وذلك إذا أدركه الموت، وهو في الطريق الى الله.

وهذا قد قال فيه سبحانه: (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، أي فقد حق له الأجر العظيم عند الله تعالى. وقد تفضل سبحانه، فاعتبر ذلك الاجر حقا عليه - سبحانه، ولذا عبر بـ " على " في قوله: (عَلَى اللَّهِ) ووقع هنا معناه ثبت وتقرر، وكأنَّه صار وثيقة على الله تعالى وذلك كله تأكيد لتحقق الأجر بهذه الهجرة. وإن ذلك الأجر غفران لما مضى من ذنبه، ورحمة به بالنعيم المقيم في الآخرة، ولذلك قال تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) أي أن الوصف الدائم الثابت لله تعالى في الأزل أنه كثير المغفرة، ومن شأنه الرحمة بعباده، فبمقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>