للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يجعله حذار فواته، ويبادر خفية عجزه، وليعلم أنه من فرص زمانه، وغنائم إمكانه.

والأمر الثالث الذي يصح التناجي فيه: أمر الإصلاح بين الناس، سوإء كانوا جماعات وأمما، أم كانوا آحادا وأفرادا. والإصلاح بين الناس فريضة اجتماعية تجب على أولي العزم من الرجال، وهي ضريبة ذي الجاه والمنزلة، فإذا كان بين اثنين خصام وأزاله، فقد قرب الله بين قلبين، وإن القضاء والفصل في الخصومات يورث في القلوب إحنا، بينما الصلح بينهم يبقي المودة. ولقد قال في ذلك الإمام عمر - رضي الله عنه - في كتابه إلى أبي موسى الأشعري " رد الخصوم حتى يصطلحوا، فإن القضاء يورث بينهم الضغائن "، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أصلح بين اثنين أعطاه الله تعالى بكل كلمة عتق رقبة " (١)، وقال عليه الصلاة والسلام لأبى أيوب الأنصاري: " ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله؛ تصلح بين أناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا " (٢).

والإصلاح بين الجماعات المتناحرة أوفر خيرا من إصلاح الآحاد، والله

تعالى يقول: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠). فكرر سبحانه الأمر بالإصلاح قبل القتال وبعده، وفي أثنائه.

وإن الذي أذهب النخوة من المسلمين قتال كبرائهم، وعدم وجود من يصلح ذات البين بينهم، حتى ترامى بعضهم في أحضان أعدائه وأعداء الله، وإثم ذلك على من لم يسع بالصلح، ورأب الكَلْم.


(١) ذكره مع ما يليه القرطبي في التفسيرج ٥، ص ٣٨٢. عن أنس بن مالك. وذكر القرطبي أخبارا أخرى ثم قال: ذكر هذه الأخبار أبو مطيع مكحول بن المفضّل النسفيّ في كتاب اللؤْلُئيّات له، وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه.
(٢) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>