للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد رجح ذلك الوجه ابن جرير الطبري، وقال في ترجيحه: " وأولى التأويلين بالصواب ما قاله مجاهد؛ لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان المفروض، وذلك في قوله تعالى: (ولأمنيهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام).

وقوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) فإلحاق معنى قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) بما جرى ذكره قبل، أَحق وأولى من ادعاء تأويل لَا دلالة عليه من التنزيل ولا أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا إجماع من أهل التأويل. وإنما نختار ما اختاره ابن جرير، لما ساقه من دليل.

وقوله تعالى: (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ). ما هو الجزاء؛ أهو الدنيوي أم الأخروي؟. قال بعض العلماء إنه الجزاء الدنيوي، ويستدل على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام - فيما رواه عطاء - لأبى بكر: يا أبا بكر، إنك تمرض، وإنك تحزن، وإنك يصيبك أذى، فذاك بذاك (١)، وكان هذا تفسيرا للنص. وقال آخرون: إن المراد الجزاء الأخروي، وهو المناسب للنص، وللآيات السابقة، والجزاء القرآني دائما جزاء أخروي، والحق هو القول الأخير، أن الجزاء هو الأخروي، والدنيوي إن كانت حكمة الله تعالى في جزاء دنيوي كالتشريد والذلة، والهزيمة في الحروب.

وقوله تعالى: (وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) أي أن الشيطان الذي كان يوسوس لهم يختفي سلطانه ولا يكون له ولاء لهم، لَا يوادّهم ولا يحبهم، ولا يناصرهم، كما قال تعالى عنه وعنهم يوم القيامة: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ


(١) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، أَظُنُّهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الصَّلاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: " يَرْحَمُكَ اللهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ أَلَسْتَ (١) ... " قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَإِنَّ ذَاكَ بِذَاكَ ". [رواه أحمد في مسند العشرة: مسند أبي بكر (٧٠)]. وروى مسلم في صحيحه: البر والصلة والآداب - ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن (٢٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>