للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القوانين فضلا عن نصوص القرآن فإن البداهة تتجه إلى التوفيق، والتوفيق يبدو بادئ النظر، وهو أن هذه الآية موضوعها نفسي، والآية التي في صدر السورة موضوعها العدالة الظاهرة، وقد وضَّح هذا المعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رويناه، وهو عجزه عليه الصلاة والسلام عن العدالة النفسية، وعلى فرض أن التوفيق غير ممكن إن سايرنا تلك المدارك المحدودة، فإن المتأخر ينسخ المتقدم. والمتأخر هو هذه الآية التي نتكلم في معناها، وهي تطالب بالعدالة المطلقة، بل طالبت بالممكن فقال تعالى: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا).

المعلقة هي التي تهمل نفسيا ومعنويا وحبا ومودة، فلا هي ذات زوج تنال الحقوق الزوجية أو بعضها، ولا هي خالية الأزواج، ترجو أن يوفقها الله تعالى وهذا تشبيه بالشيء المعلق بشيء من الأشياء، لأنه لَا يكون قد استقر على الأرض، ولا ما علق عليه تحمله، أو يستطيع تحمله.

وإنه لأجل الوصول إلى هذا الحل ألذي لَا يكون فيه شطط يجب التدخل لإصلاح ذات البين، ولذا قال الله تعالى: (وِإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا) وهذه هي المرتبة الثانية من الشقاق التي يتعذر فيها على الزوجين أن يقوما بعلاجها، ولذا يستمد العلاج من المتصلين بهما وهو المنصوص عليه في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحَا يُوَفِقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا. . .)، وعند التدخل للإصلاح يجب أن تكون تقوى الله هي التي تحكم الحكمين ولذا قرن الإصلاح بالتقوى، فإن كان إصلاح القلوب مع تقواها، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر ما عساه يكون من تجاوز للحد قبل ذلك، ولذا ختم سبحانه وتعالى هذا الجزء من العلاج بقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) أي أن غفرانه البالغ ورحمته الواسعة المستمرة المؤكدة يفيضان على المصلحين المتقين، فإن لم يجد هذا كانت المرتبة الأخيرة، وهي الفراق، ولذا قال سبحانه:

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>