للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزمخشري أن يشهد بما يؤدي إلى وبالها، بأن يشهد على سلطان ظالم فيؤذيه، وقد قال في ذلك - رضي الله عنه -: " ويجوز أن يكون المعنى وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم أو على آبائكم وأقاربكم، وذلك أن يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره ".

وإنه بهذا الذي قرره جار الله الزمخشري ننتهي إلى أن الشهادة على الوالدين والأقربين تكون بإلزامهم بحقوق عليهم مباشرة، وتكون بالنسبة للأنفس بالإقرار بإلزامها، وتكون بالشهادة في الأمور التي ربما تؤدي إلى الإضرار بهم كشهادتهم في أمر عام قد يؤدي إلى حرمانهم من المزايا الاي يطلبونها، كمن يشهد بمجرى ماء لشخص تؤدي إلى حرمانهم من بعض ما يبغون، وقد تكون بالشهادة على أصحاب السطوة الذين يؤذون من يشهد عليهم. . . وهكذا.

وإنه قد قال قتادة في معنى هذه الآية: " أقم الشهادة يا بن آدم، ولو على نفسك أو الوالدين، أو الأقربين، أو على ذي قرابتك، وأشراف قومك، وإنما الشهادة لله، وليست للناس، وإن الله تعالى رضيَ بالعدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق. . . وبالعدل يصلح الناس ".

وقد يكون سبب الانحراف في العدل أو الشهادة أن تكون الخصومة بين غني وفقير، فقال سبحانه:

(إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) أي لَا يصح أن يكون اختلاف المتخاصمين أو المتعاملين، أو المشتركين غنًى وفقرًا سببا في اجتناب العدالة، فلا يمنع الغنى حقا لغناه، ولا يعطى أحد غير حقه لفقره، كما لَا يصح أن يحابَى الغني أو يعفى من العقاب لجاه ماله، ويعاقب الفقير بعقوبة أشد لفقره، فالفقر والغنى بأمر الله تعالى، ولذا قال: (فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) أي فالله سبحانه وتعالى هو الأولى والأجدر بحساب الغني والفقير، وهو الذي رتب الحقوق والواجبات، وقسم الأموال بحكمته، ونظمها بإرادته، وهو الأعلم بمصالح العباد، وهو الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>