للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتحدت الأعمالَ فقَدرُ الله تعالى يسير الوجود، هذان زارعان يزرعان في قطع من الأرض متجاورات يبذران بذرا واحدا، وتسقى أراضيهما من ماء واحد، ومع هذا فذلك يأتي بزرع طيب، والآخر يأتي برديء، أو هذا يبيع بسعر جيد، وذاك يتأخر شهرا أو يتقدم شهرا فيبيع بسعر دون الأول، فمن ظن أنه يستطيع إزالة ما بين الغنى والفقر، فإنه يظن أنه يستطيع مغالبة القدر.

وإن الميل في الشهادة أو في الحكم عن الحق سببه هو اتباع للهوى، ولذا نهى الله تعالى عن اتباع الهوى فقال:

(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا) " الفاء " هنا هي التي تسمى فاء الإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، كأنه يقول إن اتجهتم إلى الحق ظبونه، (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى)، بل اتبعوا داعي العقل وحكم الشرع، والهوى هو الخضوع للشهوات، وعدم الخضوع لحكم العقل، وما يوجبه الشرع، ومن اتباع الهوى الخضوع للنزعات الوقتية، والظاهر، وعدم البحث عن ذات الحقائق، فمن الخضوع للهوى أن تمنع الغني حقا لمجرد أنه غني، وتحابي الفقير لمجرد أنه فقير، فهذا من قبيل الخضوع لمجرد الإحساس من غير تفكير وبحث عن الحقائق، فإن الغني لَا يحل ظلمه، والفقير لَا يقر على ظلم.

ومعنى النص الكريم: (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى) وتجنبوه لكي تعدلوا، وتتجهوا إلى الحق من غير تعويق من العواطف أو الأحاسيس التي تلقى وهْمًا لَا حقيقة، فقوله تعالى: (أَن تَعْدِلُوا) في مقام بيان الغاية لعدم اتباع الهوى، فهو تعليل للنهي، ولا حاجة فيه إلى تقدير، ومؤدى الكلام على ذلك نهيتم عن اتباع الهوى لتعدلوا.

والكثيرون من المخرِّجين على تقدير محذوف، والمعنى على ذلك لَا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق إن اتبعتم الهوى، فإن الهوى من القاضي أو الشاهد يذهب بالحق ويضيعه، وإن هذا التخريج فيه تقديران:

<<  <  ج: ص:  >  >>