للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى الجملي للنهي، لَا تخلطوا الحق الذي جاء في شرع موسى عليه السلام بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه بأيديكم، كما توهمتم في التوراة التي بأيديكم من أن هارون عليه السلام عبد العجل مع الذين ضلوا منكم، فهم يخلطون بين الحق والباطل، فيلتبس الحق، وتختفي معالمه، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، ونهاهم عن أمر آخر، يقع منهم، وهو أن يكتموا ما أنزل الله تعالى، فإنهم يعملون عملين: أولهما: أن يخلطوا الحق بالباطل، فلا يدرك الحق على وجهه، ولا يعرف صريحه مما اختلط به، وكذلك شأن المضللين يأتون ببعض الحق، ويخلطونه بالباطل، فيختفي نور الحق ببهرج الباطل. الثاني: أنهم يكتمون الحق الذي لا التباس فيه، ولم يستطيعوا أن يخلطوه فيكتموه ككتمانهم البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وكتمانهم تحريم الربا وقد نهوا عنه، وغير ذلك مما حرم كتمانه، وكاستباحتهم ما حرم عليهم يوم السبت، وغير ذلك.

وقد نعى الله تعالى عليهم ذلك الكتمان للحق، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠).

وإنهم إذ يكتمون الحق من الكتاب يفعلونه متعمدين قاصدين التضليل؛ لأنهم يعلمون ما يلبسون به الحق بالباطل، ويعلمون ما يكتموته؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى: (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) الحق فيما لبستم به، وتعلمون الحق الذي كتمتموه قاصدين كتمانه.

وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>