للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظلمه، وحدود الجهر هو مقدار دفع الظلم، فإن أمكن دفعه بغير الجهر لَا يجهر، وإن لم يمكن دفعه إلا بالجهر - جهر حتى يصل إلى حقه.

وقال بعض العلماء إن الاستثناء متصل، وتأويل الكلام أن الله تعالى لَا يحب الجهر بالسوء إلا جهر من ظلم فإنه ليس بخارج عن محبة الله تعالى لأن دفع الظلم واجب ولازم، ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لَتَأْمُرُن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذنَّ على يدي الظالم ولتأطُرُنَّه على الحق أطرا أو ليضربن قلوب بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم ".

فدفع الظلم واجب، وإذا كان الجهر سبيله فهو واجب؛ لأن ما لَا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب، ولكن ما مدى الاستثناء الذي يسوغ الله سبحانه وتعالى به للمظلوم أن يجهر بالسوء، وأن يعلنه؛. نقول بالإجمال إن مداه هو منع الظالم من الاستمرار في ظلمه وحمله على الانتهاء عن غيِّه، وإن ذلك يشمل الأحوال الآتية: الأولى - أن يجهر الخصم بما ارتكب خصمه من مآثم في حقه أمام القاضي، فإن الجهر في هذه الحال لَا يبغضه الله تعالى؛ لأنه إقامة حق، ودفع باطل، ولقد قال تعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ).

ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته " (١) والمراد أن يغلظ له في القول، ولا يقول القاضي قولا لينا إذا ثبت مُطله في أداء الدَّين ".

الثانية - إذا كان الحاكم ظالما، فإنه يجب توجيه اللوم الشديد إليه بالنقد من غير إسفاف، ولكن لَا يقول الناقد إلا حقا، ويستر نقده، حتى يرعوى هذا من غيه وذلك إذا لم تُجدِ فيه الموعظة الحسنة، فإن كانت مجدية لَا يصح الاتجاه إلى الجهر بمظالمه.

ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أفضل المجاهدين رجل قال كلمة حق أمام سلطان جائر


(١) ذكره البخاري تعليقا: الاستقراض وأداء الديون - لصاحب الحق مقال، ورواه الترمذي: البيوع - مطل الغني ظلم (٤٦٨٩)، وأبو داود: القضية - في الحبس في الدين وغيره (٣٦٢٨)، وابن ماجه: الأحكام - الحبس في الديَن والملازمة (٢٤٢٧)، وأحمد: مسند الشاميين (١٧٤٨٦) عن السويد ابن الشريد الثقفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>